الثورة – حوار عبد الحميد غانم:
شكلت حرب تشرين التحريرية بنتائجها وأحداثها منعطفاً هاماً في التاريخ المعاصر لسورية والمنطقة، نظراً لأهميتها الاستراتيجية، إذ منحت مسيرة النضال العربي دفعاً كبيراً في مواجهة المخططات الصهيونية والاستعمارية ودحرها، كما عززت عوامل الصمود والمقاومة لدى وطننا وأمتنا وشعبنا العربي لمواجهة تلك المخططات بكل الوسائل المتاحة وتعزيز العمل العربي المشترك.
ورغم مضي 51 عاماً على حرب تشرين التحريرية، ورغم أن الظروف والتقنيات تغيرت محلياً وإقليمياً وعالمياً، لا يزال نصر تشرين التحرير باعثاً حقيقياً لنا ولشعبنا ولأمتنا على بذل المزيد للتمسك بإرادتنا وحقوقنا وأرضنا والدفاع عنها بكل السبل، وأن هدف النصر ليس ببعيد طال الزمن أوقصر.
وضمن هذه الأفكار والتحديات وبمناسبة أعياد تشرين التحرير الوطنية والقومية، التقت “الثورة” مدير بانوراما حرب تشرين التحريرية سيادة العميد الركن زين محمود، الذي تحدث حول مضامين الحرب ونتائجها وأهميتها في ظل ما يواجهه الوطن والأمة والدور الذي تمثله بانوراما حرب تشرين التحريرية.
كسر أوهام العدو
فقد أشار سيادة العميد الركن زين محمود في حديثه، إلى أن حرب تشرين التحريرية مثلت نقلة نوعية في تاريخ العرب، وكان أهم منجزاتها التأكيد على التمسك بالإرادة الوطنية لشعبنا ولجيشنا الباسل، ومحو ما ترسخ في أذهان المواطنين العرب مما حصل بعد نكبة 1948 إلى حرب 1956 ثم نكسة حزيران 1967 .فقد كان هناك حقيقة العامل النفسي السلبي المسيطر على المجتمع العربي والوهم الذي كان يسوقه العدو الإسرائيلي وإعلامه وكذلك العالم الغربي، بأن العدو يمتلك جيشاً متفوقاً ونوعياً ولديه تقنيات عالية لا يمكن قهره، إضافة إلى الأعمال التي قام بها العدو، خلال فترة الاحتلال وروعت العرب عبر الجرائم والمجازر وحرب الإبادة التي مارستها قوات الاحتلال الإسرائيلية قبل عام 1973 .. لكن حرب تشرين التحريرية جاءت لتؤكد عكس ذلك، ففي الدرجة الأولى أكدت قدرة المواطن العربي على الصمود والإرادة والعمل على تغيير هذا الواقع، فمن خلال إرادتنا وامتلاك هذه الإمكانات التي كانت موجودة بفضل الإرادة والصمود والحكمة التي أكدتها القيادة السياسية والعسكرية آنذاك.. بهذه الأمور استطعنا أن نغير كل هذا الوهم ونكسره ونكسر الأوهام التي كان يسوّقها العدو والغرب آنذاك.
قرار عربي صادم للعدو
وقال سيادة العميد محمود: كانت أهم ميزة أيضاً في حرب تشرين التحريرية، هي امتلاك العرب زمام الأمور والمبادرة، فكان قرار الحرب من الجانب العربي صادم بالنسبة للعدو.. لم يصدق العدو ولا الغرب بأن العرب قادرون على امتلاك زمام المبادرة بشن حرب ضد كيان الاحتلال. إضافة إلى ذلك، فقد أكدت حرب تشرين التحريرية وحدة المصير العربي وأننا رأينا أغلب الدول العربية شاركت إلى جانب الجيشين السوري والمصري في هذه الحرب ضد العدو.
ونوه سيادة العميد محمود، بأنه إضافة إلى المشاركات العربية التي كانت من أغلب الدول العربية في المعركة والتي أكدت وحدة المصير العربي، فقد ارتبطت مع وحدة المصير والقرار السياسي والاقتصادي، لاسيما عبر استخدام النفط سلاحاً في المعركة ضد العدو، بعد إعلان العرب قطع النفط عن الدول الداعمة للعدو، فضلاً عن المقاطعة السياسية التي أعلنت من غالبية الدول التي كانت تقيم علاقات سياسية مع كيان الاحتلال، إلى جانب مقاطعته اقتصادياً، فقد أعلنت دول كثيرة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان.
مساعدة الأصدقاء
وتحدث سيادة العميد محمود عن مساعدة الدول الصديقة التي وقفت إلى جانب سورية أمثال روسيا (الاتحاد السوفييتي سابقاً) وكوريا الديمقراطية والصين الشعبية.. هذه الدول التي كانت تدعم حقوق سورية وهذا الدعم لم يكن يأتي من فراغ، بل لأننا أصحاب حق وقضية عادلة، وندافع عن الحق كما قال القائد المؤسس حافظ الأسد: “لسنا هواة قتل وتدمير، وإنما نحن ندفع عن أنفسنا القتل والتدمير. لسنا معتدين ولم نكن قط معتدين، ولكننا كنا وما نزال ندفع عن أنفسنا العدوان. نحن لا نريد الموت لأحد، وإنما ندفع الموت عن شعبنا. إننا نعشق الحرية ونريدها لنا ولغيرنا، وندافع اليوم كي ينعم شعبنا بحريته. نحن دعاة سلام ونعمل من أجل السلام لشعبنا ولكل شعوب العالم، وندافع اليوم من أجل أن نعيش بسلام”.
مواجهة تفوق العدو
ونوه سيادة العميد محمود إلى أن العدو الصهيوني اليوم يسعى إلى التفوق العسكري والنوعي والاستراتيجي ومخططاته الاستعمارية ما زالت هي نفسها، فالمعركة الجديدة تتطلب مواجهة تفوق العدو. فهو يمتلك الدعم الأمريكي والغربي الذي يوفر له الكثير من الأدوات والأساليب التي لا تمت إلى الأخلاق ولا إلى الإنسانية ضارباً بعرض الحائط كل القوانين والشرائع الدولية متجاوزاً كل الحدود وكل الأخلاق.
المقاومة العربية
وأشار سيادة العميد محمود إلى أنه يجب على كل مواطن عربي أن يواجه هذا الواقع من خلال الوعي وامتلاك التكنولوجيا، وعلينا أن نطور أنفسنا وأن نحصل على كل المعدات والإمكانات التي تمكن وطننا وجيشنا ودولتنا من الصمود والمواجهة وتساعدنا للحفاظ على أرضنا وسيادتنا وكرامتنا. وقال: لقد تغيرت المفاهيم ويجب علينا أن نقرأ الواقع بشكل حقيقي وأن نستلهم ما قدمه جيشنا الباسل وما قدمه الآباء والأجداد للحفاظ على تراث وطننا وأمتنا الغالية، ونجسد العقيدة التي علمونا إياها وقاتلنا من أجلها للدفاع عن أرضنا وشعبنا وكرامته، هذا هو الجانب الأهم في سبيل الحفاظ على وطننا، وفي سبيل مواجهة العدو بما يمتلكه من تكنولوجيا وأدوات تشكل تأثيراً خطيراً على حياتنا.
“البانوراما” صرح حضاري كبير
وأكد سيادة العميد محمود أن بانوراما حرب تشرين التحريرية تمثل صرحاً حضارياً كبيراً يجسد حقيقة إنجازات جيشنا الباسل في حرب تشرين التحريرية عام 1973، ويوثق الأعمال البطولية التي خاضتها قواتنا المسلحة وشاهد حي على الهزيمة التي مني بها العدو الصهيوني في تشرين، لافتاً إلى أن هذا الصرح الحضاري يقوم بمهمة كبيرة في هذه المرحلة، فكل زائر مهما كان مستواه العلمي والعمري ومن كل شرائح المجتمع، عندما يزور البانوراما يخرج بانطباع والشعور بالفخر والاعتزاز بما قدمه جيشنا باسل وتضحياته، ويعطي صورة حقيقية لما قام به العدو الصهيوني من وحشية ودمار وتخريب لأرضنا وأرضنا المحتلة وخاصة مدينة القنيطرة المحررة.
وأشار إلى أن البانوراما قد تضمنت لوحة فنية تجسد ما حدث يومي السادس والسابع من حرب تشرين التحرير لتحرير مدينة القنيطرة، إلى جانب اللوحات التي توثق تاريخنا العربي.. هذه الوثائق واللوحات تؤكد وترسخ حقيقة عدونا وما يقوم به من إجرام يجسده حالياً في غزة وجنوب لبنان.
ربط الأجيال ببطولات تشرين
وقال: لذلك فإن صرح بانوراما حرب تشرين له أهمية كبيرة بمضمونه وشكله حيث يربط أجيالنا بماضيهم وبإنجازات آبائهم وأجدادهم وتاريخهم العريق، إضافة إلى أنه يكرس أهمية عقيدة جيشنا الباسل الجيش العربي السوري .. عقيدة الدفاع عن الوطن والحفاظ على كرامة شعبنا وطهارة أرضنا ووحدة بلادنا ووطننا أرضاً وشعباً، وأهمية شعار الشهادة أو النصر..
وأضاف: في القاعة الدائرية محطات كثيرة تعرض لوحات فنية لتاريخ أمتنا، التي تعزز شعور الإنسان بالغبطة والسعادة والفخر والاعتزاز، لوحات تجسد صفحات مشرقة من تاريخ أمتنا العربية.
وأشاد سيادة العميد محمود ببطولات وملاحم أبطال جيشنا الباسل التي سطّرها خلال الحرب ضد الإرهاب التي فرضت على بلدنا لمدة أكثر من ثلاثة عشر عاماً خاض خلالها بواسل جيشنا آلاف المعارك في كل أنحاء الوطن، فجسدوا فيها أسمى آيات البطولة والفداء، يجب أن نرسخها في أذهان الأجيال لتكون دروساً في الصمود والبطولة والفداء والتضحية.
صمود أذهل العالم
وأكد مدير بانوراما حرب تشرين التحريرية أن الجيش العربي السوري خاض أعمالاً قتالية لا مثيل لها في هذا التاريخ، وأن صموده البطولي كان نتاج إرادة قوية، وإيمان بعدالة القضية، وتوجيهات وحكمة القائد السيد الرئيس بشار الأسد، وصمود شعبنا السوري ووقوفه خلف جيشه وقائده.
وقال سيادة العميد محمود بهذه المناسبة نحاول أن نبرز أهمية نصر تشرين التحرير من خلال نقل حقيقة بطولات جيشنا في مواجهة الإرهاب وتوضيح الأمور للحفاظ على الصورة الناصعة والمشرقة لوطننا وجيشنا الباسل.
وإن هذا الصمود الأسطوري لوطننا وشعبنا وجيشنا أدى إلى تغييرات دولية وفرض شيئاً جديداً في المنطقة وفي السياسات العالمية، واستطاع أن يؤثر على المواقف والرؤى والنظر إلى الأمور، ويؤكد على صحة السياسة السورية بالدرجة الأولى وصحة علاقات الصداقة والأخوة التي تقيمها سورية مع أصدقائها الدوليين والإقليميين.
وأكد سيادة العميد محمود في هذه المناسبة، أن نصر تشرين التحرير أدى دوراً كبيراً في زيادة الوعي وزيادة التحصين الأخلاقي والقيمي لدى كل من يزور بانوراما حرب تشرين التحرير، ونأمل أن يكون لدينا الإمكانات المتطورة لنقل حقيقة ما جرى خلال بطولات جيشنا في مواجهة الإرهاب وتوضيح الأمور للحفاظ على الصورة الناصعة والمشرقة لوطننا وجيشنا الباسل، وإبراز مفاهيمه وأخلاقه وقيمه النبيلة وكل ما يعمق إيماننا الوطني والأخلاقي في هذا الوطن.