الثورة-ديب علي حسن:
قبل نصف قرن وعام واحد كان الوعد الذي لم ندرك حينها لماذا وقف مدير المدرسة شامخاً على منصة مرتفعة بعد أن جمعنا في الباحة وبصوت لم نعتده منه ثقة ونبرة عالية : يا أبنائي اذهبوا الآن إلى البيوت ولا تعودوا إلا حين نخبركم.
كونوا مع أهلكم لا تخافوا شيئاً ستسمعون أخباراً جميلة.
مضى اليوم الأول ولم نسمع شيئًا في اليوم الثاني عقدنا العزم أن نذهب إلى حقل الزيتون لقطافه.
في الطريق إلى كرمنا المسمى ( عين الباغة) ..كان الصوت مجلجلاً في السماء طائرتان إحداهما تلقي شيئًا يهوي من عال إلى الأرض..
بعد دقائق يهلل الجميع الله أكبر ( لقد سقطت الفانتوم)
النسر السوري المحلق في الأعالي اصطادها.. راوغ الطيار الصهيوني حاول أن يزيد من سرعة طائرته بإلقاء أحد خزانات الوقود.
لكن ذلك لم ينفعه بشيء مصيره محتوم فسماؤنا عصية على العدو.
لم نمكث طويلاً في حقل الزيتون إذ هطل المطر غزيراً ما يعني أن الأرض بعد ذلك أصبحت مهيأة للحراثة وزراعة القمح.
لم أر في حياتي أجمل من تلك الحقول على صغر مساحتها الكل يعمل يتهامسون يضحكون أمهات تزغرد الرجال بعد أيام قليلة تزينوا بالسلاح كجيش رديف لابد أن يكون على أهبة الاستعداد.
تتوالى الأخبار بالنصر ..ولم يكن خبر استشهاد هذا أو ذاك ليثير الحزن بل الفخر والاعتزاز ..هذا أخو الشهيد وتلك أخته وهؤلاء جيرانه.
إنه ابن قريتنا إنه البطل الذي غسل عار ما كان من هزيمة وحزن.
في ذلك الخريف الذي غدا ربيعاً بدا كل شيء أجمل أنقى أبهى أنصع أرفع..
ألم يقل نزار قباني ( ما سره تشرين )
نعم ما سره تشرين إنه إرادة الرجال والحياة يحترف صناعة النصر.
والنصر الذي كان سيبقى مفصلاً يحرك كل ما بعده ..لقد بدأت نهاية أسطورة الكيان الغاصب وما يجري ليس إلا طريقًا نحو النهايات طريق لا يمكن أن تكون دعاية إعلام مغرض أو ثرثرة عابرة.
تشرين طريق النصر أمس واليوم وسنابل القمح صارت أعلى أغنى أبهى .
سورية التي صنعت مجد تشرين أصبحت في عين الإعصار من قبل من أرادوا اغتيال دورها ونصرها ولكن هيهات أن يصلوا إلى ما يريدون.
النصر صناعة الرجال إرادة لا تنتهي… المعركة طويلة وشاقة ونحن نحترف صناعة الأمل والنصر.
أمس مررت قرب الزيتون الذي كان شاهدًا على تشرين غدا أكثر صلابة وقوة وجمالاً وبهاء ..
وسيكبر زيتوننا في القدس والجليل وبيارات البرتقال في حيفا ويافا..
وحقول التبغ في جنوب لبنان هي الأكثر نضارة وجمالاً..
سلام تشرين.. أبطالك الفرسان مازالوا في الميدان أبناء وأحفاداً ووعداً أننا ( لو نقاتل الحالك الباغي سنتنصر).