الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
عندما قامت حرب تشرين التحريرية في السادس من تشرين الأوّل عام ١٩٧٣ كنت في العاشرة من عمري، ثمّة مشاعر انتابتني وأنا أتابع مع والدي بلاغات الناطق العسكري، مشاعر من الزهو والفخر والاعتزاز بما يقوم به الجيش من بطولات ومعارك، وما يحققه من انتصارات يومية، وببراءة الأطفال وعفويتهم كنا نتراكض في الساحات والأزقة نراقب الطائرات الحربيّة وهي تجوب السماء، نرفع أيدينا ملوّحين ونحن نهتف وندعو لهم بالنّصر. ربما لا أدرك بدقّة حيثيات الحرب وأنا في مثل هذا السّن ، عندما كنّا نتحلّق حول الراديو – وسيلة اتصالنا الوحيدة مع العالم – حيث يسود الصمت عندما يتم إذاعة البلاغات العسكرية، وتكون فرحتنا كبيرة عندما يحقق جيشنا أهدافه مع تكبد العدوالصهيوني الخسائرالكبيرة البشرية والمادية. نرقص فرحاً، نقوم ونقفزعلى الأرض وعلائم الفخر ترتسم على وجوهنا، وعلى وجه والدي وهو يدعو ليل َنهار لجيشنا بالنصرالمؤزر.. كنا نشعر بالاعتزاز ونحن نستمع للأغاني الوطنية التي تبثّها إذاعة دمشق، نشعر بأنّ رؤوسنا تعانق السماء وخاصة أغنية مصطفى نصري زادك الله، وأغنية فيروز التي كانت تذاع بعد كلّ بلاغ عسكري حول مجريات المعركة.. ( خبطة قدمكن عالأرض هدارة إنتوا الأحبا وإلكن الصدارة ، خبطة قدمكن عالأرض مسموعة خطوة العز وجبهة المرفوعة ويا حلوة اللي عالحلى عم توعى عنقك العقد وإيدك الإسوارة طالع عاشهب النارمهرك طالع والبرج بالزيني الغريبة والع ضحكت صبيى وحليت المطالع شعرك قصيدة والخصر زنارها ) مع الزمن وتشكل وعينا وتوسع مداركنا، أدركنا عظمة حرب تشرين وأهميتها وما حققته على الصّعد كافة محليّاً وعربياً وعالمياً. لم تكن حرب تشرين التحريرية حرباً عادية أو تقليدية مع عدو يغتصب الأرض والحقوق ،بل كانت حرباً مفصلية في تاريخ الأمة العربية، إذ أعادت الحرب الثقة للجندي العربي بنفسه، وفي إمكاناته وقدرته على استخدام أحدث الأسلحة وخوض غمار الحرب وصنع الانتصار . كما أعادت الحرب الثقة للجماهير بقواتها المسلحة وتحطيم أسطورة (الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر ؟؟!!) فكانت حرب تشرين وحرب الاستنزاف والتي حررت الإرادة والأرض، فكانت حرب تشرين حرب تحرير وكرامة .ملحمة عزّة وفخار . لقد حقق جيشنا معادلة الصمود والتحدي بتلاحم الجيش والشعب والقائد، القائد المؤسّس حافظ الأسد فكانت إرادة النضال من أجل استرجاع الحقوق المشروعة ، فكتب جيشنا هذه الملحمة بدماء الشهداء الذين قدّموا أرواحهم ودماءهم الطاهرة كي يحيا الوطن عزيزاً كريماً.. لقد أثبت جيشنا الباسل أنه القادر دوماًعلى صنع الانتصارات، عندما زحفت قواتنا الباسلة في الجولان إلى جانب الجيش المصري الشقيق ليلقنا العدو الصهيوني درساً لن ينساه أبداً ، مؤكدين أن أحفاد خالد وصلاح الدين والشيخ صالح العلي وابراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش ويوسف العظمة وقادرون على صنع النصر بإيمانهم بعدالة قضيتهم وحقّهم في تحرير الأرض العربية المحتلة وهذا ما عبّر عنه القائد الخالد حافظ الأسد في كلمته المتلفزة للجيش والشعب خلال الحرب إذ يقول : ( نحن أصحاب حق وأصحاب قضية عادلة، والله ينصر من كان على حق ومن كان عن حقه ذائداً مدافعاً. إنكم اليوم تدافعون عن شرف الأمة العربية وتصونون كرامتها وتحمون وجودها وتضحون كي تحيا الأجيال القادمة هانئة مطمئنة. وتشاء إرادة العلي القدير أن يكون جهادكم في هذا اليوم من أيام الشهر الفضيل، شهر رمضان شهر الجهاد، شهر غزوة بدر، شهر يوم الفتح، شهر النصر، صفحة ناصعة في تاريخ قواتنا المسلحة نضيفها إلى العديد من صفحات البطولة والفداء التي سطرتها بدماء الشهداء الأبرار في تاريخ قطرنا ووطننا. لقد انتصر أجدادنا بالإيمان بالتضحية، بالتسابق على الشهادة دفاعاً عن دين الله ورسالة الحق. وإنكم اليوم، ببطولاتكم وشجاعتكم، إنما تستلهمون هذه الروح وتحيونها وتحيون بها تقاليد أمتنا المجيدة.) لقد شكّلت حرب تشرين التحريرية انعطافة حاسمة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني ،حيث جاءت بعد سلسلة من النكسات ،ولترسم خارطة طريق جديدة عنوانها : العزة والكرمة الإرادة والانتصار. إنّها حرب تشرين حرب العرب الأولى عندما قرروا خوضها بإيمان ٍ مطلق بعدالة قضيتهم وحتميّة الانتصار، لقد جاءت حرب تشرين لتردع العدوان وتبني السلام الذي تنشده سورية، سلام الشجعان الزي يعيد الأرض لأصحابها الحقيقيين، إنّها معادلة قائمة على الحق والعدل والسلام، بنى أسسها القائد الخالد حافظ الأسد عندما قال : (لسنا هواة قتل وتدمير، إنما نحن ندفع عن أنفسنا القتل والتدمير. لسنا معتدين ولم نكن قط معتدين، لكننا ولا نزال ندفع عن أنفسنا العدوان. نحن لا نريد الموت لأحد، إنما ندفع الموت عن شعبنا. إننا نعشق الحرية ونريدها لنا ولغيرنا، وندافع اليوم كي ينعم شعبنا بحريته. نحن دعاة سلام، ونعمل من أجل السلام لشعبنا ولكل شعوب العالم، وندافع اليوم من أجل أن نعيش بسلام). واليوم ونحن نستذكر حرب تشرين والتي هي مفخرة لكل الأجيال، ننحني أمام بطولات وتضحيات صنّاع تشرين شهداء الوطن الذين رووا بدمائهم ثراه الطاهر فاينعت شقائق نعمان ونجوماً زهر نستذكر بطولات جيشنا الباسل الذي خاض أشرف وأنبل المعارك في الجولان وجبل الشيخ نستذكر ضباطه وضباط صفه وجنوده البواسل الذين عاهدوا الوطن فصدقوا الوعد وبرّوا بقسمهم المقدس، فكانوا الأباة الميامين في الساحات والميادين.. هذا الجيش وخلال الحرب الكونية الظالمة التي فُرضت على سورية عام ٢٠١١ تحت ذرائع واهية ، استطاع بصموده وبطولاته وتضحياته أن يحمي الوطن ويحافظ على مكتسباته ويدحر الإرهاب والفكر الوهابي الظلامي، ويُفشل مشروع تقسيم وتفتيت سورية الوطن والإنسان، إلى إمارات متصارعة وكانتونات متناحرة.. فكانت المواجهة، وكانت البطولات والتضحيات، وتحقيق الانتصار بالتلاحم البطولي مع الشعب والقيادة في لوحة هي الأنبل والأبقى والأنقى. نعم لقد كانت حرب تشرين حرب تحرير وكرامة وبوابة العبور لمستقبل ٍعنوانه العزة والكبرياء، ووساماً يرصّع جبين الشرفاء على مر الزمن. في ذكرى حرب تشرين التحريرية نقول :المجد والخلود لشهداء تشرين وشهداء الوطن صنّاع الانتصارات ننثر الورود والأزاهير على هامات الابطال .حماة الديار .جيشنا الباسل الذي كان وسيبقى جيش الوطن وحامي عرينه .
العدد 1208 – 8 – 10 -2024