غالباً ما تتردد في الاجتماعات والنقاشات بعض المصطلحات والمفاهيم التحفيزية المعلبة، والهدف إما أن يكون ترويجياً وإما تضخيمياً، المهم سرعان ما تتلاشى هذه المصطلحات لدى من اجتمعوا أو أقروا آلية عمل ما، و وضعوها في التداول.
من المصطلحات الرنانة الواصفة لاجتماع أو ورشة عمل، قد نسمع عن وجود “عصف ذهني”، “أفكار من خارج الصندوق”، وغيرها من المصطلحات المستخدمة لشد النظر، أما عند التطبيق يتلاشى العصف الذهني مع عقلية وذهنية غير قابلة للتطوير، وهذا للأسف يتعاقب مع العديد من الحكومات والمعنيين، ضجيج وتلميع، سرعان ما يلحقه بهتان وربما خيبة وصدمة عدم الإنجاز.
المسألة ليست مسألة عصف ذهني، أو أفكار من خارج الصندوق أو داخله، المسألة فيما هو داخل الصندوق من خيارات وموارد وأوراق عمل، وفي قدرة من ينطلق من داخل الصندوق إلى خارجه، فالكثير من المسؤولين الحكوميين السابقين تحدثوا وانتقدوا عمل سابقيهم، وعندما وضعوا في ذات المكان وواجهوا ذات الظروف والقوانين والمعايير، كان لربما ما فعله من سبقوهم إنجازاً بالنسبة لهم.
إذاً التنظير عن بعد سهل جداً، لكن مجرد الوصول والاحتكاك مع الأشخاص غير القابلين للتطوير والقوانين المعقدة والروتينية، والمستفيدين من بقاء الواقع على حاله، ومن يحتاجون للدعم والتشجيع وفي ذات الوقت من لا يودون العمل أساساً حتى لو هيأت لهم كل الأسباب، وبعد كل هذا ستكتشف أن لا فكرة من خارج الصندوق، ولا عشرات من العصف الذهني ستغير الواقع.
تغيير الواقع قبل كل شيء يكون من خلال قبوله أولاً كما هو والاعتراف بذلك، وتناول مشكلاته دون ترقيع حتى لو كان ذلك يشكل ضرراً، وطالما أن الأمر واقع، علينا أن نعيشه ونفهمه، ومن ثم نفكر بإحداث التطوير وليس التغيير، فالتغيير يعني العودة إلى الصفر، والمسألة المهمة أكثر أسلوب إعادة التدوير، وهذا بحد ذاته أمر غاية في الأهمية والحساسية، ولايمكن تطبيقه في كل مكان.
وهذا يعني أنه قبل تطوير واقع ما يلزم تأمين فريق لايسعى فقط إلى النجاح بل إلى أسباب الحفاظ عليه، وليس الانتقاد والتنظير ووضع العصي في العجلات، نعم يلزمنا الكثير والكثير لنشاهد ونقبل الواقع كما هو، بعيداً عن الرتوش وبهرجة الألوان، والأهم من ذلك كله العمل على تفكيك منظومة الفساد القائمة على التشبيك بين مجموعة أشخاص تربطهم مصالح مشتركة، لذلك همهم الإبقاء على الأفكار والآلية العفنة التي تتيح لهم الفائدة.
بالتأكيد تطبيق الواقع والتعامل معه بصدق وحنكة بعيداً عن المصالح الضيقة، يفضي إلى عدم الحاجة لا إلى عصف ذهني، ولا حتى أفكار من خارج الصندوق، وهذا يعني أن كل ما نحتاجه اليوم فكر نظيف يعمل أكثر مما يتكلم، و يقبل ماهو جديد لتحقيق عملية التطوير.
