تتشكل ملامح شرق أوسط جديد بمقاييس مختلفة عما أراده الاحتلال الإسرائيلي من حروبه في المنطقة، وخاصة الحرب الأخيرة على غزة ولبنان.
ويتشكل شرق أوسط جديد ناضج بشكل مختلف عما كان يخطط له في دوائر القرار الأمريكي الغربي، فهو مكتوب بكل بروتوكولاته وتفاصيله وملامح صورته بيد مقاومة وشعوب دفعت الدم والأشلاء والقرابين الغالية من أطفال ونساء وشيوخ.
وبعد سنة على الطوفان لا يمكن الحديث عن “شرق أوسط جديد” بالمعنى الذي تقصده وتريده “إسرائيل”، وبالرغم من أن غزة شهدت دماراً غير مسبوق، وفي لبنان يبرز التدمير الصهيوني للضاحية الجنوبية لبيروت وقرى الجنوب، ومع ذلك فإن المقاومة بقيت تحافظ على قوتها على جميع المستويات، وعلى شعبيتها في كل الاتجاهات.
وقلب 7 أكتوبر أيضاً في “إسرائيل” مفاهيم كثيرة وعلى رأسها تلك التي نبعت من الجهل في قوة الآخرين، وضرب الإيمان الصهيوني بفكرة أن المقاومة مردوعة ويمكن تطويعها بواسطة “جزر اقتصادي” أو “جزر سياسي” هذا إلى جانب فرضيات المستوى السياسي بأنه يمكن التقدم في التطبيع دون الانشغال في الموضوع الفلسطيني، ومواصلة إدارة النزاع بلا حسم، وأنه يوجد في “إسرائيل” تفوق تكنولوجي وردع تجاه محور المقاومة، وكل تلك الفرضيات سقطت في مستنقع الأوهام والفشل الصهيوني.
الشرق الأوسط الجديد وفق مفهوم الاحتلال والغرب أفلت من عقالهم، وبات في يد أخرى تقوده، والحقيقة التي تؤرق الكثيرين في الكيان هي أن المسؤولين عن الهزيمة في 7 أكتوبر يواصلون تصميم الحاضر والمستقبل للكيان، ولا يجرى تحقيق جدي معهم في الفشل، و”إسرائيل” تركز على إنجازات عسكرية وهمية ونصر مطلق لن يتحقق.
الاحتلال لا يزال يشعر بذل من يوم 7 أكتوبر وتجسد لديه الوعي الكامل بأن عدويه الأساسيين “حماس” و”حزب الله”، مستمران، وهما كما يقول سياسيو الكيان محاربون بشدة من قبلهم لكن غير قابلين للفناء.
هؤلاء في الكيان ممن يمكن أن نسميهم أصحاب النظرة الواقعية يرون أنه مطلوب فرض تسوية في غزة وفي لبنان تنهي التهديدات التي تطاردهم وتسمح بعودة الأسرى ومستوطني الشمال، وأهمية البحث والحسم في المسألة الفلسطينية، لكن حكومتهم تواصل الحرب المجنونة بلا هوادة وبلا استراتيجية، كخبط عشواء في رمال الصحراء.
منهل إبراهيم