الثورة – يمن سليمان عباس:
ثمة مقولة شعبية ترددها “يموت الخائف ألف مرة”.. أما من لا يفكر بالخوف فهو الذي ينجو من الكثير من المصاعب.
ولكن الخوف سمة أساسية من سمات البشر وعلينا أن نعترف أن الخوف ضرورة، ويجب ألا يصل إلى الهلع أو أن يكون وسواساً لا يفارقنا.
والخوف ألوان وأنواع، لسنا بصدد الحديث عنها، لكننا في أيام يمر العالم كله بمرحلة خوف..
فماذا يمكن أن تقدم الدراسات في هذا الاتجاه؟
(هل لاحظت أن بعض الناس يعيشون حياتهم وكأنهم لا يتأثرون بأي شيء، حتى عندما تصبح الأمور صعبة؟ هذا ليس سحراً أو حظاً، هؤلاء الناس تعلموا كيف يتعاملون مع الخوف الذي يسيطر علينا أحياناً.)
هذا ما يناقشه كتاب “حارب الخوف: كيف تنتصر على عقليتك السلبية وتنجح في الحياة”، تأليف ماندي هولجيت، التي تتحدث بوضوح عن المخاوف التي نواجهها جميعاً، تلك الأفكار التي تقول لك: “أنت لست جيداً بما يكفي” أو “ماذا لو فشلت ورآك الجميع؟”، وتعلمك كيف تتعامل معها وكأنك تواجهها بشجاعة.
الدراسة مميزة لأنها تعترف بشيء نعرفه جميعاً، ولكن نادراً ما نقوله بصوت عالٍ: الخوف شعور طبيعي، لكنه أيضاً يمكن أن يخدعنا.
هولجيت توضح أن الخوف ليس شيئاً لا يمكن هزيمته، بل هو أشبه بصديق مفرط في الحذر يريد حمايتك من المخاطرة، هذا الصوت يقول لك: “هل أنت متأكد من أنك تستطيع فعل هذا؟ ماذا لو فشلت؟”. نهج هولجيت هو أن نفهم هذه الأصوات، ولا نحاول التخلص منها تماماً، بل نتعلم كيف نتعامل معها ونسحب منها قوتها. وهذا الشعور بالتحرر رائع.
تقسم هولجيت المخاوف الكبيرة إلى أجزاء صغيرة يمكن التعامل معها وفق 12 جزءاً بالتحديد، تتحدث عن مخاوف مثل الشعور بعدم الكفاءة، والخوف من النقد، والخروج من منطقة الراحة.
هي لا تقول لك فقط “كن واثقاً” (لأن بصراحة، هل هناك نصيحة أقل فائدة من هذه؟)، بل تقدم لك أدوات واستراتيجيات حقيقية أثبتت نجاحها مع الناس الذين دربتهم، على سبيل المثال، إذا كنت تخاف من النقد، بدلاً من تجنب المواقف التي قد يحكم فيها الناس عليك، تقترح عليك أن تتعامل مع النقد كفرصة لتتعلم وتتحسن بدلاً من أن يكون حاجزاً يعيقك.
ومن الأفكار المهمة في الكتاب:
– الخوف شعور طبيعي لكنه يمكن أن يخدعنا: الخوف يظهر كوسيلة لحمايتنا لكنه يعيقنا في النهاية، عندما نفهم حقيقة هذا الخوف، يمكننا البدء في تقليل قوته.
– فهم مخاوفك والعمل معها: بدلاً من تجاهل الأفكار المخيفة أو الهروب منها، تشجعنا هولجيت على الاعتراف بها وفهم أصلها والعمل على مواجهتها.
– تقسيم المخاوف إلى أجزاء صغيرة: هناك 12 نوعاً من المخاوف تحدثت عنها هولجيت بالتفصيل، مثل الخوف من الفشل أو النقد. معالجة هذه المخاوف خطوة بخطوة تساعدنا على التحكم فيها.
– استخدام النقد كأداة للنمو: إذا كنت تخاف من النقد، تقترح هولجيت أن تتعامل معه كفرصة لتتعلم وتتحسن بدلاً من تجنبه.
– مواجهة المخاوف بجرعات صغيرة: بدلاً من الهروب مما يخيفنا، تشجعنا هولجيت على التعرض التدريجي للمخاوف. مثلاً، إذا كنت تخاف من التحدث أمام الجمهور، ابدأ بالتحدث أمام عدد قليل من الأشخاص وزد هذا العدد تدريجياً.
– الصدق والواقعية: هولجيت تشارك تجاربها الشخصية مع الخوف والفشل، مما يجعل نصائحها واقعية ومؤثرة. هي لا تقدم مثالاً عن الكمال، بل تتحدث عن دروس حقيقية من حياتها.
– الفكاهة والخفة: إضافة بعض الفكاهة للمواقف الصعبة يمكن أن يقلل من الخوف، نهج هولجيت المرح يساعدنا على رؤية الخوف كشيء أقل تهديداً.
– تحويل الخوف إلى حافز: الهدف النهائي ليس فقط التخلص من الخوف، بل استخدامه كحافز لتحقيق أهدافنا، الخوف لا يجب أن يقرر لنا- هذا دورنا نحن.
تفاجئك هولجيت بحقيقة مهمة: المشكلة ليست في الخوف بحد ذاته، بل في كيفية استجابتنا له. غالباً ما نختار الهروب من الخوف، معتقدين أننا نحمي أنفسنا، لكن هذا الهروب هو ما يبقينا عالقين. إذا كنت تخاف من التحدث أمام الناس، فهي لا تطلب منك أن تتظاهر بالثقة. بدلاً من ذلك، تدعوك لاتخاذ خطوات صغيرة وغير مريحة- ابدأ بالتحدث في اجتماع صغير، ثم زد من التحدي. بمواجهة الخوف بجرعات يمكن التحكم فيها، يبدأ في فقدان قوته عليك.
الشيء الجميل في أسلوب هولجيت هو أنها لا تدعي أنها خبيرة تعرف كل شيء، بل تعترف بمخاوفها، وتقر بأنها فشلت مرات عديدة وتعلمت من أخطائها. هذا الصدق يجعل نصائحها تبدو وكأنها تأتي من صديق يريد حقاً أن يراك تنجح، وليس من شخص يدعي أنه يعرف كل شيء، وهناك لحظات من الفكاهة أيضاً تلك اللحظات التي تضحك فيها على نفسها تجعلنا ندرك أن أخذ الأمور ببعض الخفة قد يكون جزءاً من الحل.