هفاف ميهوب
لا بدّ لكلّ من يزور معرض الكتاب السوري، المُقام حالياً في مكتبة الأسد الوطنية، من التوقّف والتجوال في كلّ دارٍ من دورِ النشرِ المشاركة، وليس فقط للاطّلاع على الكتب التي تعرضها، بل ولاختيارِ كتابٍ قد يلفته أكثر من سواه، وإما لشهرةِ مؤلّفه، أو لأن العنوان جذبه بتميّزه، إنه ما حصل عندما توقفت لدى «دار دلمون الجديدة» المعروفة بمشاركاتها الدائمة في كلّ معارضِ الكتب، وقد لفتتني عناوين كثيرة لكتبٍ معروضة في جناحها، ومنها رواية الكاتب والأديب والناقد الفلسطيني، الدكتور «يوسف حطيني»: «يوم عادي في حياة عرفان»، تأمّلت الرواية فقرّرت أن أقتنيها، وعندما قرأتها قرّرت الكتابة عما قرأته فيها: يتناول «حطيني» في هذه الرواية التي نوّه بأنه كتبها خلال معركة طوفان الأقصى، وما رافق هذا الطوفان من مجازر العدوّ الصهيوني في غزّة».. يتناول مأساته التي هي مأساة كلّ فلسطيني تغرّب عن وطنه، ولاسيما المثقف الذي تشظّت حياته، بسبب تنقّله من منفى إلى منفى، محمّلاً بذاكرةٍ مُثقلة بالآلام، والقهر والشوق والحزن وتداعيات الغربة..إنه ما يجعل هذا المثقف، يمرّ بحالاتٍ نفسية عديدة، سببها عجزه عن تقبّل واقعه، وغضبه من العدوّ المحتل الذي شرّده وأبناء وطنه. إنه ما يجعله أيضاً، لايؤمن بأيّ علاجٍ للتخفيف من همومه وحنينه وآلام غربته، ويفضّل البوح لقارئه، عما يعتمل في نفسه من تداعياتٍ، تتطلّب إصغاء هذا القارئ، حتى للتفاصيل التي يسردها، وتضجّ بأوجاع الكلمات.يرفض كلّ الاغراءات التي قد تبعد عنه، بعض هواجسه المرضية، فوحدها فلسطين بلسمه، ويأبى إلاها هويته، والحلم الذي يتوسّده ويغفو على أناشيده الطفولية:»أنا سندبادُ المغتربُ/ أبعِدُ.. أُبحِرُ.. أغتربُ/ لا أهابُ الموتَ أبداً/ حين يعلو ويقتربُ..».. نعم، هو مريضٌ وعافيته فلسطين، يسكنه الألم الذي يتوقّد فيه فيتلظّى شعوره بمأساته، وتلاحقه صور المجازرِ التي يرتكبها العدوّ الصهيوني بحقّ وطنه وأبناء قضيّته.. يتابع أخبار «غزّة» فتتفاقم مواجعه.. قصفٌ ومجازر وإباداتٍ، والعدوّ موغلٌ في إجرامه.. أعداء الجرحى في ازدياد، مثلما الشهداء الذين استُهدفوا، حتى في المستشفيات.. واقعية أدبية، لا تخلو من رموزٍ لطالما، ما يحصل في غزّة وفلسطين، قد فاق كلّ ما سطّرته الكتب والروايات الملحمية، حتماً هو الواقع الذي عاشه «حطيني» كما كلّ أبناء الشعب الفلسطيني، الواقع الذي عانى من أوجاعه ومرارته وغربته وتشرّده، إلى أن باتت فلسطين الهويّة روايته، يحملها أملاً بالعودة بعد تحرير أرضه، وهزيمة العدوّ الاسرائيلي.