الثورة – علاء الدين محمد:
تنبثق رسالة المثقف العربي من الرؤية التي يضعها لمستقبل المجتمع والأمة التي هو جزء منها، لذلك يجب أن يحدد رؤية واضحة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية لتطوير المجتمع وتقدمه، وبذلك تكون رسالته أن يقدم جميع إمكاناته الفكرية والثقافية والمعرفية ولا يدخر جهداً في إعلاء القيم المجتمعية والمحافظة على الثوابت الوطنية.
هذا ما بدأ به الدكتور طارق العريفي- جامعة دمشق- محاضرته في المركز الثقافي العربي في المزة تحت عنوان (رسالة المثقف بين الوعي الذاتي والوعي المجتمعي )، ولأن كل مجتمع تشوبه بعض العادات والأفكار فإن من واجب المثقف أن يقدم ما لديه من تجارب، إضافة إلى تلك الأفكار النيرة التي تساعد المجتمع على التحدي ومواجهة الصعاب وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل الاجتماعية، التي تعيق تقدم المجتمع وتقف حجر عثرة أمام نهوض شبابه كمشكلة( ارتفاع المهور)، مثلاً وما ينتج عنها من عقبات أمام إبداع الشباب وانشغالهم بالتكاليف بدلا من اندماجهم في المجتمع وسيرهم في حركة التقدم.
وأكد الدكتور العريفي أن المثقف العربي المتسم بالوعي هو الذي يدرك ويقرأ مجتمعه قراءة أفقية وعامودية، فيراقب بعين الحاذق ما يجري من أحداث، وما يدخل إلى المجتمع من عادات خاصة في عصر العولمة وانتشار المعرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى العادات والتقاليد التي نشأ المجتمع عليها وتميزه عن غيره من المجتمعات، بمعنى أن عليه أن يرصد حركات التطور المجتمعية وأن يرشد نحو الطريق السليمة في استدعاء القيم المجتمعية الأخرى وتقليدها فيكون صمام الأمان في الصراع الناشئ بين القديم والحديث، بين التراث والإبداع، بين الأصالة والمعاصرة.
ومنه فإن المثقف يجب أن لا يقف عند حدود المعرفة والثقافة أو حدود الشهادة العلمية والأكاديمية، وكذلك لا يقف عند حدود معرفة حاجات المجتمع ومتطلباته التي تعيق تقدمه ونجاحه، بل عليه وقبل كل شيء أن يفتح باب الوعي أمام وجوده وثقافته وأمام دوره في المجتمع ،فهو ليس مجرد ناقل للثقافة من جيل إلى جيل، وكذلك هو ليس بعيداً عن المشكلات المجتمعية، ولا يحق له أن يلتزم الحيادية تجاه ما يجري، أو يلزم الصمت منتظراً الحلول أو ينتظر بعين الدهشة إلى ما يتعرض له المجتمع من الغزو الثقافي ومحاولات السيطرة على العقول أو محاولات الانزلاق بالمجتمع نحو عادات وتقاليد تتناسب مع الثوابت المجتمعية والدينية والوطنية، بل يحرضه كل ذلك على إنتاج معرفي أو علمي أو ثقافي أو أي نوع من أنواع العلوم والفنون. وتقديم ذلك الإنتاج إلى المجتمع للمساهمة في بناء المعرفة والتقدم لهذا المجتمع.
وبين الدكتور العريفي أن الوعي عند المثقف العربي يقوده إلى نشر رسالته ومعرفة دوره الإيجابي في تقديم الحلول والأفكار والتجارب المجتمعة سعيا للنهوض والتقدم من خلال الاندماج مع المجتمع والبحث في مشكلاته وقضاياه والكتابة عنها، وإشباعها بحثاً وتمحيصاً من خلال مقالاتهم محاضراتهم مشاركاتهم.
إن عملية النهوض بالمجتمعات وتطويرها لا تقع على عاتق المثقفين وحدهم، إذ هناك الكثير من العوائق والصعاب التي تواجههم كالانتشار العميق والواسع لبعض آلاف الأعراف غير المناسبة ،وكذلك وجود فجوة لغوية وثقافية ومعرفية بين المثقفين والمجتمع، مما يجعلهم غير مؤثرين في مجتمعاتهم التي ينفصلون عنها عند أول مصطلح علمي أو فلسفي يستخدمونه من دون إبانة أو توضيح لمعناه، وبالتالي فإن المثقف الحاذق هو الذي يتصف بالانتماء والفكر، ولديه بنية معرفية يستطيع من خلالها أن يترجم تطلعات الدولة في عمليات التغيير والنهوض بالمجتمع.