الثورة – إيمان زرزور
أثار مقطع فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي يوثّق تعرض طفل يتيم الأب للتعنيف على يد عمه في مدينة حماة موجة استياء وغضب شديدين بين الأهالي والناشطين، الذين طالبوا بتدخل عاجل ومحاسبة المسؤول عن الانتهاك.
وفي أول رد رسمي، صرّح محافظ حماة عبد الرحمن السهيان قائلاً: “نتابع باهتمام بالغ ما يتم تداوله من مقاطع تُظهر تعذيب طفل قيل إنه في محافظة حماة، وقد تم توجيه الجهات المختصة للتحقق من صحة الفيديو ومكان الحادثة، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في حال ثبوت الواقعة. نؤكد التزامنا الكامل بحماية الأطفال من كل أشكال العنف والإساءة.”
تُعد حوادث تعنيف الأطفال، ولا سيما من أقاربهم، من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد أمن الطفولة وتوازن المجتمع، فالعنف ضد الأطفال لا يقتصر على الأذى الجسدي، بل يمتد إلى النفسي واللفظي والإهمال، ويترك آثارًا عميقة قد ترافق الطفل مدى الحياة.
وغالبًا ما يكون المُعنِّف أحد أفراد الأسرة الممتدة مثل: “العم أو الخال، زوج الأم، الجد أو زوجة الأب”، وتتفاقم خطورة هذه الانتهاكات عندما تحدث في بيئات تغيب فيها الرقابة، أو يسود فيها الخوف من الفضيحة، مما يدفع الأطفال إلى الصمت رغم الألم.
من أبرز الأسباب الشائعة لدوافع العنف الأسري ضد الأطفال “استغلال ضعف الطفل وغياب الحماية من أحد الوالدين، والجهل بأساليب التربية السليمة، وتعرّض الأبوين أنفسهم للتعنيف في طفولتهم، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، والإدمان أو الأمراض النفسية، والغيرة أو الحقد تجاه الطفل لاعتبارات عائلية، وضعف وعي الأم أو تجاهلها لمؤشرات العنف”.
ويأخذ العنف الممارس على الأطفال عدة أشكال منها: “الضرب المبرّح تحت ذريعة التربية، الإذلال اللفظي والشتائم، التحرش الجنسي أو الاستغلال، العزل أو التمييز بين الإخوة”، ولهذا العنف آثار على الطفل، منها “نفسية” إذ يعاني من خوف دائم، انعدام الثقة بالنفس، اكتئاب، قلق، ميول انتحارية
كذلك منها السلوكية، تكون عادة عدوانية، انطواء، كذب، سرقة، التهرب من الدراسة، ومنها “جسدية” كإصابات متكررة، تأخر في النمو، أمراض ناتجة عن الإهمال، وأيضاً “اجتماعية” تتمثل في صعوبة في بناء علاقات، ضعف في التكيف المجتمعي
وبحسب منظمة الصحة العالمية، يتعرض ما يقارب مليار طفل سنويًا لأحد أشكال العنف، فيما لا تزال الأسرة في الدول العربية من أبرز مصادر التهديد للطفل، في ظل ضعف آليات الحماية والتشريعات الرادعة.
لمواجهة هذه الظاهرة، لا بد من مسؤولية جماعية لمواجهة العنف، تتمثل في توعية الأهل والمعلمين بأساليب التربية الإيجابية، وتشديد العقوبات بحق من يمارس العنف ضد الأطفال، وإنشاء خطوط ساخنة للتبليغ، وتعزيز دور الإعلام والمؤسسات التربوية في نشر ثقافة الحماية والرفق”.
وخلاصة القول، إن تعنيف الأطفال ليس شأنًا فرديًا، بل أزمة مجتمعية تتطلب استجابة فورية وتضافر الجهود الرسمية والمدنية، وحماية الطفولة ليست خيارًا، بل التزام إنساني وأخلاقي من أجل أجيال أكثر توازنًا واستقرارًا، وهذا يجعل الحكومة السورية أمام تحد كبير في إعادة بناء القوانين التي تضمن حقوق الطفل وتحميه عندما يفقد الأمان.