الملحق الثقافي-رنا بدري سلوم:
لو كان للكتاب لسان لقال لنا لا ترموني على الأرض ولا تعرضونني على أرصفة الطرقات، لقال لنا أنا جوهرة العقل احمونني من غبار الأزمنة الشّاردة، من برد الشتاء القارس من دمع السماء التي تستكين بين أوراقي كعاشقة، أنا لستُ ابن الشّوارع لأبقى هنا أحرس الممرّات.
لقال لنا يحزنني أن أفتح شهيّة القراءات في نظرات العابرين العجزة عن التكفّل بي وأنا يتيم الجراحات، لا أنتمي إلى مكتبتهم إن وجدت..، ولا وطن لي إلا أرصفة متنقّلة تعدوها المسافات.
لو كان للكتابِ لسان لطلب النجّدة من حرّ الشّمس واصفرار أوراقه وتقادمه المنسيّ.
لقال لنا أنا جليس الأشجارالمتشرّدة والأفكارالعابرة عند الناظرين، لا تلومونني لا ذنب لي أنّي عرضتُ هنا أسوة بالأحذية ومنظّفات الغسيل والألبسة القطنيّة والجوارب الرخيصة!. لقال لنا: أخيراً استجاب لي القدر لأرتاح من هجر التاريخ، فحملوني بجرّافةٍ كالقمامة، ووأدوا إشراقات العناوين التي تحفّز أخيلة المارّة حين يتصفحونني لبرهة واحدة فيلقون ضآلتهم ويمرّون.
لو كان لي لسانٌ لأخبرتكم سرّاً ماذا فعلوا بي بعد أن أعادوني إلى جحيم المستودع كقبر، وكدّسوني كثياب بالية حملوني بعربات متعبة مثلي إلى مستقبل مجهول فخانوا ذاكرتهم، وكان لي الإنسان عدواً، أين الجاحظ حين قال عني « الكتابُ هو الجليس الذي لا يُطريك، والصديق الذي لا يُغْريك، والرفيق الذي لا يَمَلُّك، والمستميح الذي لا يَسْتِريثُك، والجار الذي لا يَستبْطِيك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالمَلَق، ولا يعاملك بالمَكْر، ولا يَخْدعك بالنّفاق، ولا يحتال لك بالكذب» أين هو .. تركتموني أتكدّس كوجع الفراق في قلوب الأحبّة، أعيشُ عزلةً موحشة، أشتاق لعيون الخائفين عليّ والأوفياء للقاءاتنا العفويّة وحبّنا العابر تشهد عليه الطرقات، لو كان للكتابِ لسان لقال لنا: أشتاقكم قرّائي كاشّتياق البلابل لمقل الصباحات للنور للحياة..فلا تترحّموا عليّ لابدّ أن أعود إليكم مع الضياءات!
العدد 1210 – 22 – 10 -2024