الثورة – آنا عزيز الخضر:
لطالما شغلت ماهية الإنسان ومكنونات النفس البشرية نوازعها وطباعها الإبداع عبر تاريخه الطويل، وعبر جميع أشكاله وأشكال البحث.. فلسفة وفكراً وفناً، كي يرضي الفضول الإنساني وشغف معارفه ومعرفته، على ما يبدو سيبقى عالم الإنسان نقطة استقطاب لمعرفة الأسرار، طالما هناك واقع جديد يعيشه، يتفاعل معه ومع تغيراته ومستجداته، فالنفس البشرية لها طباعها ودوافعها وحاجاتها، عواطفها ومشاعرها وآليات تفاعلها الخاصة مع الواقع.. هذه العوالم المتداخلة.. المجردة حيناً والواقعية حيناً آخر، شغلت فضاءات العرض المسرحي (بلا عنوان) تأليف يارا الحكيم، وإخراج باسم منصور، والذي حدثنا عن العرض قائلاً: النص أطروحة جدلية تستغرق فكرة الجدوى من الحياة.. من خلال إثارة قضية الوجود والعدم، فنجد أن النص لا يخلو من المقارنات، وطرح الأمثلة الأسطورية كـ(أوديب، وعشتار).
وأوضح أن فكرة العرض تتمحور حول التكوين الإنساني وتطور مراحله.. وبالتالي ما ينتج من تساؤلات عن الحب الغريزة الإنجاب والعلاقات الإنسانية.. وما يرافق ذلك من أفكار.. وقد هدف العرض إلى تسليط الضوء على الحلول المنطقية لفكرة الخلق والاستمرارية من جهة، وكشف الحلول اللا منطقية، إنما التخيلية أو الابتعاد عن ما هو تقليدي لفائدة الحب ثم الموت.
أما الإعداد تم قراءة النص لغة وإيقاعاً عدة مرات للغوص في ما أرادته كاتبة النص يارا الحكيم، وبعد ذلك قمت بعملية الإعداد من اللغة الفصحى إلى المحكية العامية، وهذا تطلب الدقة في الحفاظ على المحتوى الفلسفي، ومراعاة إيقاع النفس البشرية صعوداً وهبوطاً، فكان لابد من تسلسل منطقي لغوي احترافي لإظهار المحتوى بشكل مفهوم وجذاب ومؤثر.
أما الإخراج.. فالعمل من نوع ديو دراما ممثل وممثلة، والعمل أول تجربة إخراجية لي، لم أتبع مدارس مسرحيه خاصة فحسب، بل جعلت العمل الإخراجي ورشة عمل، تتجمع فيها آراء المدارس والمذاهب المتبعة على اختلافها، لكي يكون هذا العمل أكثر تنوعاً وغنى،ً وبالتالي ابتعدت عن التنميط والتقليد المباشر.
وكان لعناصر الديكور والسينوغرافيا دور في إظهار الرمزيات، والتعبير أحياناً بصمت عن شخصيات العمل ومواقفهم وخلافهم الفكري والأخلاقي والاجتماعي، فكان مذهب التجريب مسرحياً أو إن صح قولنا /المنهج الانتقائي/ (واسعاً) جعلني وطاقم العمل ننتقل بمرونة لتكوين المشهدية، وظّفت الأدوات المسرحية بشكل دقيق جداً لإعطاء كل تصرف من الممثل معنى وغاية ووصفاً.. وهذا أيضاً تطابق مع بقية مكونات العمل المسرحي من إضاءة وموسيقا.
ولفت إلى أنه كان لابد من الاختيار بدقة، لأن محتوى العمل حساس وغير نمطي، ويحتمل أبعاداً فلسفية، تعج بالرمزيات وبعض العبث، فكل هذه العوامل صعّدت من الصراع الدرامي، كي تتجلى الأهداف تباعاً.. فلا مسرح بلا صراع.