غالباً ما تقترن التجارب الفعلية والحقيقية في الحياة بالألم والوجع.. تلك التجارب التي تحفر عميقاً وتعلّم في دواخلنا سلباً أم إيجاباً.
راسخة آثارها.. باقية.. لا تُمحى..
تماماً كما حدث مع بطل فيلم (القارئ، The reader ).. الذي لن ننسى صورته وهو يمضي إلى من يحب قائلاً (كلّما تألّمتَ أكثر كلّما أحببتَ أكثر)..
الألم، لديه، اقترن بالحبّ..
بينما وفق “سيوران” ( أن تتألم يعني أن تُنتج المعرفة).. أن تعيد إيقاد ذلك الضوء كلّما بدا يخبو.. تلك الشعلة التي تُحيي أصل الإنسان فينا..
وخلاصة التجربتين، حصيلة ثلاثية الأبعاد (الألم/الوجع، الحبّ، المعرفة).
أما عن الوجع، ذاك البعد الأكثر تعزيزاً لآدميتنا، والذي يَنتج عن الحبّ.. في بعض الظروف، ويُنتج المعرفة بذات الوقت.. فله هيئات.. وأشكال..
طبقات.. وزوايا رؤية متعددة.. جميعها تنخر عميقاً في تفاصيل يومياتنا الهشّة والعادية.. فتحوّلها إلى النقيض..
الوجع.. يغسل أعماقنا.. تلك الأركان غير المرئية فينا.. ويجعلها تتألق بصورة غير مألوفة.
نحن لا نتوجع إلا لأجل من نحبّ.. أو بسبب من نحبّ.. وبالتالي ننتج المعرفة المتناسبة ومقاس تجاربنا.
من الملاحظات اللافتة التي تحدث عنها إريك فروم في كتابه (فن الحبّ) قوله: “إن الإنسان وهو يمارس شعوراً إيجابياً يكون حراً، يكون سيد شعوره، وهو عندما يمارس شعوراً سلبياً يكون مُساقاً، يكون موضوع الدوافع التي لا يعيها هو نفسه”.
الإحساس بالحبّ شعور إيجابي.. بينما إحساس الوجع بالطبع سلبي.. وإن كانت خلاصته إيجابية..
وثمة مسافة بين تحوّل أو اختمار ذاك الإحساس ما بين شعورين أو حالين نقيضين “سلبي وإيجابي”.. وغالباً هي ميزة الحبّ بشمولية مفهومه.. وتقلّبنا ما بين هذين الشعورين تجاه “موضوع الحبّ” أكان شخصاً أم شيئاً.
(الألم/الوجع، الحبّ، المعرفة)..
الوجع الناجم عن فقد من نحبّ يسمح بإنتاج كم من خلاصات الحياة.. لعلها تمنحنا قدرة أكبر على استنشاق العيش بجدارة أو ربما العكس..
بمعنى نصبح آلات أو خزانات وظيفتها “تقطير” كل جماليات المشاعر الإيجابية، كالحبّ على سبيل المثال..
هل نصاب حينها بعسر “عيش” أو عسر “حبّ”..؟
الألم أو الوجع الذي يمنحنا القدرة على إنتاج المعرفة، من المفترض به أن يمنحنا القدرة على استخلاص العيش أو جودة العيش.. حتى لو كان ذلك ضمن أصعب التجارب وأكثرها قسوة ووجعاً..
هل يمكن لجودة العيش التحقق من دون حبّ..؟
لاسيما حين يكون أي حبّ “(نشاطاً) وليس شعوراً سلبياً، إنه الوقوف وليس الوقوع”..
وكأن “فروم” بتعبيره السابق يتحدث عن الوجه الآخر للحبّ.. أي “الوجع”..
فكلّ وجع نحياه.. يهزمنا لكن لحين.. إنه الوقوف بعد كل وقوع.