(اسمع ياتوتو بي .. في فكرة رح ترضيك .. شهادة استثمار .. ضمان كل مشوار) ..
هذه الكلمات السابقة محفورة في أذهاننا نحن أبناء الثمانينات والتسعينات، وحتى قبل ذلك .. و خاصة من كان يقتني منا شهادة استثمار من مصرف التسليف الشعبي، على أيام التلفزيون الأرضي الوحيد المتاح، ومن خلال شاشته كان الناس ينتظرون السحب الدوري على جوائز هذه الشهادات، واليوم لا يزال يسألني الزميل معد عيسى على حساب توفير الأطفال لأبنته، حلا المفتوح والساري المفعول في مصرف التوفير من عشرين عاماً إلى الآن .
مصرف (التسليف الشعبي) و (صندوق توفير البريد) الذي ولد منه (مصرف التوفير) هما من المصارف السورية التي انحفر اسميهما بذاكرتنا الشعبية نحن البسطاء الذين كنا وما زالنا نقترض من مصرف (التسليف) أو مصرف (التوفير) قروض لسد الحاجات والتحديات التي تواجهنا وفق ظروف كل مرحلة اقتصادية نمر بها .
في هذين المصرفين تعلمنا معنى الادخار مذ كنا أطفالاً صغار سواء عبر ما يسمى (شهادات الاستثمار) في مصرف التسليف أو (التصميد والتوفير) من مصروفنا اليومي في (صندوق توفير البريد) الذي اشتد عوده اليوم وأصبح مصرف التوفير .
اليوم تقوم الإدارة النقدية والمالية في البلاد بالعمل على دمج مصرفي التسليف الشعبي والتوفير في الوقت الذي تسعى إليه كل مصارف الكون للامتداد الأفقي والتوسع في فتح فروع ومكاتب جديدة وحتى نقاط وخدمات مصرفية في البقاليات والنشاطات التجارية الصغيرة في كل حي، وهذا استراتيجية معلنة ومحكمة في عمل المصرف المركزي لدينا .
من الضرورة الإشارة بأنه قامت عمليات استحواذ واندماج في بعض المصارف الخاصة السورية المدرجة في البورصة بفعل تغيًر الملكية وغيرها من الأسباب، لكن الهياكل المؤسساتية والبنى التحتية والكوادر البشرية بقيت على حالها، وبقيت خصوصية القروض المقدمة في كل مصرف كما هي رغم حصول عمليات الاستحواذ في الملكية، وهذا موضوع أخر لم يشعر ولن يشعر به، وأساساً يجب أن لا يشعر به الزبون الذي يتعامل مع هذه المصارف.
الدمج .. وأعادة الهيكلة .. سموها الأسم الذي تريدون، هذا العنوان الذي يحتبئ تحت مسمى ضغط النفقات، يصل في بعض القطاعات الاقتصادية إلى حدود التخريب، والموضة كل ما شرفنا وزير أو مدير ويريد أن يقدم انجازاً، فأن أول شيء يبدأ به هو الدمج، قد يكون الأمر جدير بالدراسة في بعض القطاعات الاقتصادية، لكن من وجهة نظرنا فالأمر مختلف جذرياً في القطاع المالي والنقدي وخاصة المصرفي .
هل هذا وقت الارباك لمصرفي التسليف والتوفير وهي المصارف التي تقدم القروض الشخصية المباشرة للناس، التفكير النقدي يجب أن ينصب لأن توسع وتوسع مروحة قروضها الشخصية للمنظمات والنقابات والاتحادات ولموظفي القطاع الخاص الذي يكبر وينمو في سورية، وهي تصنف في خانة المصارف الصغيرة والصغرى وتقوم بما عجزت عن تقديمه ما أسميناه المصارف الصغرى، التي تتفتق علينا كل يوم بقصة ترفع تكاليف القرض في اتجاه يعاكس الهدف الذي ابتغاه المشرع من إحداثها، لدرجة أن قروضها أغلى من القروض التجارية المقدمة في المصارف العامة والخاصة .
حافظو على مصرفي التسليف والتوفير لأن المصارف الخاصة الكبيرة الموجودة في السوق تخشى اليوم أن يتسخ السيراميك الأرضي المستورد لديها !!.