الثورة – هلال عون:
(عندما يكون هناك إعلام ملتزم بقيم وقضايا الشعب العربي، فإنه يقود قاطرة التطور الفكري والفني والتربوي والقيمي، وسيسهم في تجذير الانتماء وفي الحفاظ على الهوية العربية الحقيقية المنتمية للوطن، الرافضة للمذهبية والطائفية والقبلية والعشائرية، والبعيدة عن التبعية والانحلال والتخلف.
وسيواجه الانحلال وتضييع الهوية اللذين تقودهما الليبرالية المتوحشة مستخدمة وسائل مختلفة أهمها ثورة الاتصالات الحالية.
ولا شك أن لذلك شروطاً، ربما من أهمها وجود الإعلاميين المبدعين، مع توفر حرية الرأي والتعبير، إضافة إلى اعتبار مهنة الإعلام مهنة فكرية، يحتاج ممتهنها إلى دخل يحفظ له حياة كريمة).
المقدمة السابقة، جاءت على خلفية خبر إعادة افتتاح إحدى المجلات الكترونياً بعد أكثر من ستة عقود على توقفها، وكانت مجلة رائدة في مجال الفكر والأدب على مستوى الوطن العربي والمهجر.
إنها مجلة “الدنيا” لصاحبها ومؤسسها الملقب بأديب الصحفيين وصحفي الأدباء “عبد الغني العطري” المولود بدمشق عام 1919 والمتوفى فيها عام 2003.
قرأت في عددها الصادر يوم أمس حواراً شائقاً (كان قد أجراه المرحوم عبد الغني العطري مع شاعر دمشق الكبير نزار قباني قبل حوالى 70 عاماً من الآن بأسلوب صحافي أدبي جميل، يتحدث فيه عن مفهوم الشعر والنثر والحب.
في رده على سؤال يتعلق بمفهوم الشعر بالنسبة إليه يقول قباني:
الشعر هو نفوسنا وأشواقنا ملحنة، هو تقديم أنفسنا للناس على أرجوحة من نغمة، هو حياتنا مكثفة في استدارة فاصلة وتمرد حرف.
الشعر هو الكلمات التي تعيش في بيوتنا ووراء شرفاتنا وستائرنا، وتختبئ في ضفائر حبيباتنا يكسوها الشاعر قميصاً من نغم.
وعن رأيه بالشعراء بالمعنى الصحيح، قال:
– لا يوجد شاعر صحيح وشاعر غير صحيح، فالشعراء المشوهون لا مكان لهم في معبد الشعر والذي أعتقده أننا عرفنا قليلاً من الشعراء وكثيراً من النظامين، عرفنا الإبداع في وجوه شعرية تعد على الأصابع.
وعرفنا تجارة الشعر في مئات من الشعراء لم يتركوا على تراب بلادنا سوى هياكل خشبية كجذوع أحطاب المشمش أيام الخريف.
وفي رأي جميل له، جاء رداً على سؤال حول ما إذا كان يؤمن بإمارة الشعر، قال:
– مثل هذه التعابير تثير ضحكي ورثائي فالشاعر ليكون شاعراً لا يحتاج إلى “فرمان” أو سند طابو- يحفظ له ممتلكاته وإقطاعاته.. لقد تهدمت أمام المد الاشتراكي الإمارات والباشويات، وأصبحت إنسانية الإنسان الهوية الوحيدة التي يحملها.
إن الشعر الأوروبي لم يعرف هذه المهازل، فشكسبير شاعر الانكليز الأكبر لم يتوج على عرش الشعر البريطاني، واكتفى بأن يكون شكسبير.
الشاعر الحقيقي يقدم نفسه إلى الناس من دون تيجان، ومن دون خيول مطهمة، ومن دون جواهر تلتمع على جبينه، وإن شعره هو الجوهرة الحقيقية التي تتحدى كنوز الدنيا.
وعن أهم ثلاثة شعراء في عصره قال:
– عمر أبو ريشة، بدوي الجبل، سليمان العيسى.
وعن أهم ثلاث شاعرات قال:
– لا يوجد.
أما عن الحب الأول في حياته فقال:
– كان حباً أقرب إلى حب الأساطير، كنت في السادسة عشرة وكانت في الثامنة عشرة وكانت حواجز السن وحواجز المستوى الاجتماعي تقف جداراً بيننا واقتنعت بأن أمضغ أحلامي وأبتلعها.
كان حباً من جانب واحد وانتهى بي إلى نهاية أحبها وأكرهها هي أنها جعلتني شاعراً.