في حديث العلماء عن نظرية “الأكوان المتعددة” وبعض طروحاتها، حددوا نقطة مشتركة فيها جميعاً، وهي (أن المكان والزمان اللذين يمكننا رصدهما لا يشكّلان الواقع الوحيد).. بمعنى لكلّ كونٍ متعدّد الزمان والمكان الخاصّان به وخصائص فيزيائية مختلفة.
إحدى إطروحات نظرية “الأكوان” تلك تحدّثت عن وجود ما يطلق عليه (“خطوط زمنية متفرعة” أو “عوالم موازية” في كلّ منها تتخذ قراراتنا مسارات متباينة).. وبالتالي الوصول إلى نتائج مختلفة نوعاً ما.
في الفيلم الكوري (حيوات سابقة، Past lives) ثمة فكرة تحدثت عن أن “القدر أو العناية الإلهية” يطلق عليها (إين- يون) وهي خاصة بالعلاقات بين البشر، يحدث حين يلتقي غريبان بطريقةٍ ما.. وهو ما يعني أن بينهما قاسماً مشتركاً في حياة سابقة..
ماذا لو كانت تلك الحياة السابقة تعني الحياة في كونٍ آخر أو عالم موازٍ لعالمنا الحالي..؟
وماذا لو كانت فكرة غياب الآخرين، الأحبّة، يعني انتقالهم إلى أحد تلك العوالم..؟
لعل كلّ ذلك يعبر عن كوننا في رحلة ما بين مسارات ومحطات “الوجود” دون أن نعي الأمر.
إذاً.. ما هي فرصة اللقاء مع من نحبّ أو رؤية من افتقدناهم “الآن وهنا” في هذا الكون الواقعي الذي نحياه، مجدداً..؟
يعجبني أن يخترع كلّ منا (خطوط زمنه المتفرعة) أو (خطوطه الزمنية المتفرعة).. وأظن أن قدرتنا الفائقة على الخيال/الحلم ليست سوى محاولة للحاق بأزمنة متفرعة عن زمننا الأصلي الحالي.
أن نبلغ من المهارة والقدرة على خلق حيوات داخل حياة “واقعية نعيشها” هو نوع من ابتكار عالم موازٍ، وربما عوالم موازية بأزمنة متفرّعة.
كلّ حلم نحياه.. وكلّ تنشيط لخيالات نرغب بها، هو بمثابة زمن خاصٍ “متفرعٍ” نبرع بخلقه وعيشه..
ولهذا تتناسل خيالاتنا وأحلامنا حبّاً وشوقاً لمن سبق وعشنا وإياه.. أو لمن لم نحيَ بعد وإياه.
باشلار ذكر مرةً (أن تتخيّل معناه الارتقاء بواقع سياق)، بما يشتمله ذاك السياق من كونه حياتياً معاشاً..
والبعض يرى (أننا لسنا ما نحياه، بل ما نتخيّله)..
نحن ما نتخيله ونحلم به.. وكأننا بقوة طاقة الحلم والتخيّل لدينا نقوى على اكتشاف عوالم موازية تطغى بجماليتها على واقع آني نحياه.. ونسعى لخلق أفضل نسخة واقعية منّا.. أو ربما نحاكي نسختنا الأجمل في أحد تلك الأكوان المتعددة.
في أحلامنا، وحتى أحلام يقظتنا، نبرع بخلق نسخ منّا.. تتوازى مع افتراض وجود أكوان متعددة..
ولهذا نحن على الدوام في حالة ابتكار لأكوان خاصة.. مختلفة.. تتناغم مع الواقع الذي نحياه، أو تتعارض معه جزئياً أو كلياً.
الحلم.. والقدرة على الخيال، محاولة لاختراق الزمن الذي يلتهمنا برتابته.. ولمراوغة اللحظة الراهنة هروباً من سجنها.