ليست المرة الأولى التي تتوجه فيها الأنظارإلى مدينة حلب وهي تصارع غزاتها الذين يسعون للنيل منها بوحشية غيرمسبوقة، متجاهلين ما تحمله هذه الأيقونة من قيمة حضارية وثقافية جعلتها شاهداً على تاريخ طويل من الإبداع الإنساني العريق.
هذه المدينة التي صمدت أمام غزوات التاريخ، لم تكن يوماً مجرد مساحة جغرافية للنزاع، بل كنزاً حضارياً يحمل في طياته قصة الإنسان عبرعصورتمتد لآلاف من السنين، وقد صنفتها اليونيسكو ضمن قائمة التراث العالمي لما تتمتع به من دورمحوري في صياغة التاريخ الإنساني، فلطالما كانت ملتقى الحضارات المتعددة التي تركت بصماتها على طرازها المعماري وعلى موسيقاها وعاداتها الاجتماعية في الآن نفسه.
هذا إلى جانب دورها الاقتصادي الذي شكل ولايزال شرياناً للتجارة العالمية عبر التاريخ، جنباً إلى جنب مع بصمة خاصة في عالم الفكر والأدب والشعروالفن حتى أنها وصفت” بالتحفة الثقافية: التي لا مثيل لها.
اليوم تقف حلب أمام تحدٍّ جديد في صراعها مع غزاة من نوع آخر، ما يهمهم فقط محو تاريخ هذه المدينة وتدميرإرثها الحضاري من آثار ومكتبات وأسواق لاتزال الشاهد الحي على تطورهذه المدينة وازدهارها صناعياً وتجارياً وفكرياً، هذا الإرث الذي شكّل علامة فارقة في تاريخ النشاط التجاري العالمي.
حلب .. المدينة التي خلدها الشعراء والكتاب في مأثوراتهم الإبداعية وتغنّى بها العشاق في ليالي الأنس، لاتزال تنبض بالحياة التي تليق بها وبأمجادها، ولن يستطيع الغزاة أن ينالوا ذرّة تراب فيها، وستبقى كما كانت دائماً أيقونة الفن والفكر والثقافة، وحضارتها أعمق من أن تمحى بصراعات عابرة، وكأن الشاعرالمعري قرأ الحاضر فقال:
حلب للوارد جنّة عدن، وهي للغادرين نارسعير.
التالي