الثورة – مها دياب:
يسري التغيير كقانون كوني على جميع البشر، إلا أن محاولة فهمه والاستجابة له والتعامل الفعال معه تتفاوت فيما بين الأفراد حسب محددات التغيير بحد ذاتها.
وقبل محاولة الاستجابة للتغيير لا بد من النظر إلى محدداته، من حيث توقيته، والظروف التي حصل فيها، وحجم تأثيره على حياة الناس، والاقتصاد وقابلية الاستمرار.
فعندما يكون التغيير تدريجياً يطال جوانب محددة وإجراءات وسلوكيات معينة بحيث لا يغير الهياكل الإدارية ولا القيم الرئيسية، وإنما يسعى إلى حل مشكلة غالباً.
وفي المقابل نجد مصطلح التحول فيما يعنيه هو حالة تبدل في جوهر الأمور، وبالتالي هذا التحول يتمثل في تبدّل حالة نظام العمل والعقلية ومبادئ العمل وغيرها.
وللوقوف على فهم هذا الموضوع بطريقة موسعة واضحة، أشارت المدربة في مجال بناء القدرات والتخطيط للتعافي أماني قبيطري في حديثها لصحيفة الثورة، إلى أسباب مقاومة الأفراد ضمن المجتمع للتغيير بداية، ومن ثم التحول الإيجابي والتقبل التدريجي له بغية الاندماج والمساعدة في إنجاحه.
بين الإدارة والقيادة
بدأت المدربة قبيطري حديثها بأهمية التفرقة ما بين إدارة التغيير في العمل والتي تتم وفق خطة محددة وضمن رؤية، وغالباً ما يكون عدد الأشخاص المسؤولين عن إدارة التغيير هو قليل نسبياً، وقيادة التغيير التي تأتي بوجود عدد كبير من المشاركين الذين يحملون قيماً واضحة، يستطيعون من خلال بناء توافقات اجتماعية بنّاءة وإيجابية لجعل حالة التغيير مكسباً مجتمعياً هاماً.
وأكدت أن القيادة هنا تتطلب من المجتمعات أي (جمهور التغيير) الوعي بموقف التغيير وفهم محدداته والبحث عن نقاط بناء وتوافق فيما بينهم، وفهم واستيعاب ردود الفعل النفسية والانفعالات الغامرة لمقاومة التغيير، والتي تعتبر طبيعية في ضوء حالة التغيير بوصفها حالة مفاجئة وغير مألوفة.
النكران وعدم تصديق
وأوضحت قبيطري أن هناك مرحلة تبدأ بحالة النكران وعدم تصديق ما حصل في مقدمة ردود الفعل تجاه صدمة التغيير، وتليها حالة من الشعور بنقص الحيلة ومن ثم مقاومة التغيير والغضب، وغالباً ما تكون هذه المحاولات مشتتة ومبعثرة دون نتيجة مما يؤدي في نهاية المطاف إلى حالة من التسليم والتحول الإيجابي، وعند هذه النقطة بالذات تبدأ الأمور بالتحسن، والاعتراف بالتغيير الحاصل، وبالتالي تسود لغة التحليل والتفكير العقلاني بالعمل من جديد، فعلى المستوى الفردي يبدأ الشخص بالبحث عن آلية تكيّف فعال مع الآخرين والتعاون معهم، وعلى المستوى المجتمعي تبدأ الأطراف الفاعلة في التفكير بحالة البناء التوافقي وهو ما يمثل بداية تعاف مجتمعي.
بداية التعافي
وبينت أن مرحلة التعافي تبدأ عندما نحاول كمجتمع في جعل حالة التغيير تسير لمصلحتنا، وقبل أي شيء علينا أن نتقبل سلسلة الخوف والانفعالات الإنسانية التي ستمر عبرنا وهي مؤقتة، قوية ولا منطقية، وهذا أمر طبيعي للغاية عند كل تغيير، وعلينا إبعادها عن السلبية المؤدية إلى حالة من السلوكيات العنيفة والهدامة
نموذج الفارس- الفيل
وذكرت المدربة قبيطري- على سبيل المثال- أحد النماذج النفسية التي تساعد على فهم التغيير هو نموذج “الفارس- الفيل”، ويُقصد بالفارس: الجانب المنطقي من عقولنا، هذا الجانب الذي يتمتع بالقدرة على جمع المعلومات وتقييمها وتصنيفها وإدراكها وتحليلها واستنتاج الحقائق.
في المقابل، يمثل تعبير (الفيل)، جميع الانفعالات والعواطف الإيجابية والسلبية، والتي تعطي القوة للدوافع والسلوك.
وعندما يمتلك الفارس- وفق هذا النموذج، القدرة على التفكير بشكل واضح ووفق رؤية جليّة فإنه يترك المجال للفيل (الانفعالات) للتحرك ضمن سلوك ايجابي متحفز ومتقبل للتغيير الأمر الذي يساهم في خلق حوار مجتمعي شامل هدفه المنشود هو الوصول إلى حالة التطور والبناء والقوة الاقتصادية الفعالة.