على أرض سوريا رقد الأنبياء والقدِّيسون (الحلقة ٢ – ٣) د. محمد حبش.. عن ابن رشد: الوحي نور والعقل نور.. والنور لا يطفئ النور

الثورة – حوار هلال عون:
في الجزء الثاني من الحوار الذي أجرته “الثورة” مع المفكر، الشيخ الدكتور محمد حبش، نتابع ما حدث معه في أميركا واليابان، ونشاطاته ولقاءاته هناك.

كما نطّلع منه على رؤاه عما شاهده في تلك البلدان، ونستذكر معاً مقولة الشيخ محمد عبدة عند زيارته إلى باريس، وكيف أنه رأى إسلاماً ولم يرَ مسلمين، فيما كان يرى مسلمين في بلده ولا يرى إسلاماً.

– هل يمكن أن نتحدّث عن المؤتمرات التي شاركتَ بها في أمريكا؟

= نعم، لقد كانت بداية شهر شباط هذا العام حافلة، فقد شاركت في ثلاثة مؤتمرات متتالية في واشنطن، وهي (Global interfaith forum) ومؤتمر الحريات الدينية (Religious freedom conference) ومؤتمر إفطار الصلاة الوطنية (National prayer breakfast) وقد تحدث فيها الرئيس ترامب، ونائبه، ورئيس الكونغرس، وعدد كبير من القادة العالميين، وبالمناسبة فهذا المؤتمر الأخير بالذات يتكرر منذ 73 عاماً ويحضره الرئيس الأميركي شخصياً من دون انقطاع.

لقد تحدثتُ باسم مركز الدراسات الإسلامية في دمشق الذي أغلقه النظام البائد، واستمر في المنفى، وسيعود قريباً إلى دمشق، ونجحنا في تقديم صورة حيوية للتسامح في سوريا، والإخاء بين الأديان.

لقد كنت أشعر بالقوة حين أتحدث في مكاتب الكونغرس الأمريكي بحضور نواب وسياسيين بارزين عن المد السوري في قيادة العالم الروحية.

قد أبدو لك مغروراً، ولكننا نتحدث عن واقع يعرفه الجميع، فهذه الأبراج العالية، والجسور المذهلة، وغزو الفضاء، والعالم الرقمي، هي تفاصيل تكميلية في حياة الإنسان المادية، وهي مجد واضح، ولكنه لا يغني عن مجد الروح، وهم جميعاً يعلمون أن الإنسان الأميركي وعموم الأوروبيين والأستراليين، حين يريدون السمو بأرواحهم وتطهير قلوبهم، فإنهم يتوجهون في صلاتهم صوب أنبياء هذا الشرق ورسله.

ونقول من دون أي مبالغة: إن ثلاثة أرباع سكان هذا الكوكب يستنشقون نسائم الروح النقية من سوريا الكبرى، إما من مهد المسيح أو من معراج محمد، وعلى هذه الأرض رقد الأنبياء والقديسون والصحابة والتابعون، ورفعتْ سوريا لهم القباب والمحاريب والمآذن والمنارات.

الأميركي الذي يفتخر بقادته العسكريين والسياسيين لا يملك نبياً أميركياً، ولا يزال يرتل في معابده في العالم الجديد الكلمات الآرامية والعربية البسيطة التي تحدث بها موسى والمسيح ومحمد، وهو يعلم أن نور النبوة وإشراق القديسين هو نور الحياة الحقيقي، وهو وحده من يرسم في القلب السكينة وفي العينين المدامع وفي الروح الطهارة.

– هل كانت المؤتمرات ذات طبيعة دينية خالصة؟

= مع أن المؤتمرات كانت ذات طبيعة دينية، ولكن الواقع السوري المتسارع وحضور سوريا في المنصات الإعلامية حقق قدراً غير عادي من اهتمام الأميركيين بالشأن السوري، وهكذا فقد كان اهتمام القادة الأميركيين كبيراً بمعرفة الواقع الحقيقي على الأرض في سوريا، وكانت فرصة مناسبة للحديث عن التحديات التي نواجهها، وأن الكارثة السورية لها سبب واحد، وهو الاستبداد والظلم، ووجدنا فرصاً عديدة لنشـرح للأميركيين أن سوريا لن ترتاح حتى تُرفع العقوبات الأميركية عن الشعب السوري، لقد وُضعتْ العقوبات لوقف ظلم الأسد، ولكن الأسد المجرم فرّ وتم تدمير نظامه البائد، والآن سوريا في مكان آخر، تتعافى وتنهض، وهي بحاجة لتعاون كل الشرفاء.. ولا شك أن أكبر عقبة تواجهنا في سوريا هي العقوبات الأميركية.

من المؤسف أن شركات كبرى يملكها السوريون في أميركا تريد الدخول إلى سوريا، ولكنها تواجه هذه العقوبات الظالمة.

لقد كان ما قدمناه في غاية الأهمية، فنحن لا نمثل الحكومة ولسنا طرفاً سياسياً، وإنما تحدثنا من زاوية إنسانية ودينية واجتماعية، ولا شك أن هذه الجهود تتكامل مع الجهود اليومية المستمرة لمنظمات السوريين الأميركيين التي تقوم بهذا الدور بكفاءة واقتدار.

– ماذا عن الجالية السورية في أميركا؟

= على هامش المؤتمرات استقبلنا عدداً من السوريين الرائعين وغالبهم من الأطباء ورجال الأعمال، تفضلوا بزيارتنا وهم يمثلون الوطن السوري كله من مسلمين ومسيحيين وسنة وعلويين، يا الله كم فقدت سوريا من خيرة شبابها خلال العقود السابقة!.. الظلم طارد، إنهم يبنون الحضارات في بلاد الأرض وبلادهم أحوج لهم.

– ماذا عن زيارة اليابان.. هل نعود لمقولة محمد عبده حين قال عن زيارته لباريس أنه رأى إسلاماً ولم يرَ مسلمين.. هل رأيت أخلاق الإسلام في اليابان وبقية البلدان التي تزورها؟
= لقد زرتُ اليابان مرات كثيرة، وتعلمت منها الكثير، ونجحنا في تقديم صورة مشـرقة لقيم الإسلام الكبرى، ومن المدهش أن هذه القيم العظيمة تتحقق في اليابان بشكل لم نستطع تحقيقه في بلادنا، وحين نتخلى عن الموقف الدوغمائي النرجسي وننظر للعالم بعين متوازنة فإننا سنقف على إخوتنا في الإنسانية الذين يشاركونا قيم الدين الصحيحة، وربما باتوا أكثر منا قدرة على تطبيق هذه القيم النبيلة.

قبل سنين كُتبتْ لي أول زيارة لليابان، ذلك الكوكب الرائع الذي أنهكته الحرب العالمية دماراً وموتاً، ولكنه أصرّ على استئناف الحياة من جديد وتمكن من بناء كوكب مختلف داخل هذا العالم، وأصبحت حضارته وإنجازاته تملأ العالم.

كانت فرصة لي لرؤية العالم الجديد، في أرقى صور بهائه ورونقه، وعندما عدت إلى دمشق صعدت منبر الجمعة، وقلت للناس: منذ عشرين عاماً وأنا أصعد هذا المنبر، وأفسر لكم سورة الرحمن وسورة الفرقان، واليوم سأفسر لكم درس اليابان..

قلت لهم: لو أن الرسول الكريم قرر اليوم أن يزور هذا العالم، وركب البراق الذي تركبه الأنبياء ونزل من برزخه العُلوي، ووقف في سماء الدنيا يختار أرضاً ينزل فيها، ويسأل: أين هي أمتي؟، ويجيب: إنهم بالتأكيد نجحوا في تطبيق وصاياي، وعملوا على تحقيق ما حملته لهم من الخير والعدالة.

سيسأل أولاً عن أول كلمة جاء بها من السماء: اقرأ.. فأين هي الأمة التي استجابت لله والرسول حين دعاها لما يحييها؟.

تبلغ نسبة الأمية بين العرب 30 في المئة عموماً، وترتفع لتبلغ وفق موسوعة انكارتا 75 في المئة بين نساء اليمن وفي السودان 78، وفي الصومال المسلم 90 في المئة من النساء أميات لا يقرأن ولا يكتبن.

إن أمة اقرأ لا تقرأ.. فيما تمكنت اليابان من دفن آخر أمي في عام 1971 وأصبحت خالية من الأمية تماماً.

ولو سأل عن قوله: بورك لأمتي في بكورها، فإنه يمكنك أن ترى الياباني يبدأ يومه في الخامسة صباحاً، فيما يبدأ العربي يومه في العاشرة قبل الظهر.

ولو سأل عن قوله: إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه، فسيكون الجواب واضحاً، تحدده الأسواق بين ما صُنع في عواصمنا وما صُنع في اليابان.

ولو سأل عن قوله: “ما آمن بي ساعة من نهار من أمسى شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم”.

إن النتيجة الصادمة أن المجتمعات العربية لا تزال تغلي باللاجئين والنازحين والمتسولين والفقراء، فيما يستعرض مترفوها سياراتهم اللامبورجيني والرولزرايس وقصورهم الفارهة، ولا يطالهم قانون تكافل حقيقي يقضي على الفقر، فيما قضت اليابان على التسول كله تقريباً ووفرت للمحتاجين كفالات كريمة تغنيهم عن سؤال الناس.

ولو سأل عن قوله: “النساء شقائق الرجال”، فإنه سيجد المرأة اليابانية تَشْغل 30 بالمائة من المناصب القيادية في اليابان، في حين أنها لا تزال تُسهم بأدنى من خمسة بالمائة في صناعة القرار في كثير من الدول الإسلامية.

فهل ستحظى دولنا الإسلامية بشـرف استقبال رسول الله على الأرض بعد أن ضيّعنا هديه وانشغلنا بصـراعاتنا وخصوماتنا، أم أنه سيختار الأمم الحية التي طبّقت تعاليمه وسننه، ولم تحظَ برؤيته على أرضها؟، إن ما حققه العالم الحرّ اليوم من تفوق حضاري، وتكافل اجتماعي هو التطبيق العملي لقيم الإسلام، ومع أنهم لم ينطلقوا من نافذة الوحي، ولكن كما قال ابن رشد: “الوحي نور والعقل نور والنور لا يطفئ النور”.

لقد نجحت الإنسانية في تحقيق التكافل بين الفقراء والأغنياء إلى حد كبير، وقد تحقق ذلك إما على أساس الأخلاق الكانطية المثالية أو بالأخلاق الهوبزية القائمة على الأنانية والمصالح الخاصة، وتقدير تبادل المصلحة، وأعتقد أننا مؤهلون أكثر منهم للوصول إلى هذه الإنجازات، حيث هي أوامر الوحي الواضحة، ولكننا انشغلنا عنها بالقشور وتركنا الجوهر.

إنها الكلمة التي قالها كل دعاة التنوير حينما اطلعوا على إنجازات الإنسان الحضارية في الدول المتقدمة، واشتهرت هذه الكلمة عن محمد عبده: “رأيت في فرنسا إسلاماً ولم أرَ مسلمين، ورأيت في بلادنا مسلمين ولكن لم أر الإسلام”.

آخر الأخبار
The NewArab: الخطوط الجوية التركية ترى فرصة هامة للنمو في سوريا مفوضية اللاجئين: 55732 سورياً عادوا إلى بلادهم من الأردن منذ سقوط المخلوع كيف يواجه المواطن في حلب غلاء المعيشة؟ إزالة أنقاض في حي جوبر بدمشق ريف دمشق: تأهيل ٩ مراكز صحية.. وتزويد ثلاثة بالطاقة الشمسية جامعة دمشق تتقدم ٢٤٠ مرتبة في التصنيف العالمي إطلاق القاعدة الوطنية الموحدة لسجلات العاملين في الدولة ما هي أبرز قراراته المثيرة للجدل؟ شعبية ترامب تتراجع بعد مئة يوم على توليه منصبه  الأمم المتحدة تدعو لرفع العقوبات والاستثمار في سوريا الأوروبي" يواجه تحديات خارجية وداخلية.. فهل يتجاوزها ويصل إلى الحالة "التكاملية"؟ إعلام غربي يدعو للاستفادة من المتغيرات الدولية لتحقيق الاستقرار في المنطقة The NewArab:  محادثات الشيباني وميلز ركزت على فرص تحسين العلاقات بين دمشق وإدارة ترامب مصر والسعودية تؤكدان ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا  حملة "شفاء".. عمليات جراحية نوعية في اللاذقية المصالح العقارية تضاهي "المركزي" بأهميتها..  خبير عقاري لـ"الثورة": الملكيات مُصانة ولا يمكن تهر... غلوبال تايمز: واشنطن بالغت في إبعاد الصين عن التجارة العالمية مظاهرات احتجاجية في تركيا وباكستان واندونيسيا..  عشرات الشهداء بمجازر جديدة للاحتلال في غزة الأمم المتحدة تدعو "الحوثيين" للإفراج الفوري عن جميع موظفيها المحتجزين تعسفياً  خارطة الخيارات الاستثمارية الحالية رهينة الملاذات الآمنة 70 بالمئة من طاقة المصانع معطّلة... والحل بإحياء الإنتاج المحلي