الثورة – هفاف ميهوب:
تقول الباحثة والمستشرقة الألمانية “زيغريد هونكه” في كتابها “شمس العرب تسطع على الغرب” الذي ترجم إلى سبع عشرة لغة:
“أقولها بمرارةٍ. الناس عندنا لا يعرفون إلا القليل عن جهود العرب الحضارية الخالدة، وعن دورهم في نموّ حضارة الغرب. لذا صمّمتُ على ذكرِ فضلهم، فقد حان الوقت للتحدّث عن شعبٍ قد أثّر بقوّةٍ في مجرى الأحداث العالمية، ويُدين له الغرب مثلما الإنسانية، بالشيءِ الكثير”..
لم يكن هدف “هونكه” من كتابها هذا، تقديم الشكرِ للعربِ والدلالة على فضلهم فقط، بل وتوثيق الحقائق التي تطالب من خلالها، بأن يعترف الغرب بما قدّمته له الحضارة العربية منذ زمنٍ بعيد، بدءاً من الأسماء التي ما زال يستعملها، مروراً بالواردات التجارية التي لا تخلو موائده منها، وصولاً إلى الأرقام والرياضيات والطب والفلك والعلم والفنون بأنواعها، وغير ذلك الكثير مما أدهشها فقالت عنه في كتابها:
“لقد أنقذ العرب الحضارة الإغريقية من الزوال. نظّموها ورتّبوها ثمّ أهدوها للغربِ، إنهم مؤسّسو الطرق التجريبية في الكيمياء والطبيعة والحساب والجبرِ والجيولوجيا وعلم الاجتماع، بالإضافة إلى عددٍ لا يُحصى من الاكتشافات والاختراعات، وفي مختلف فروعِ العلم التي سُرق أغلبها ونُسب للآخرين..”.
كُثرٌ من الباحثين والمستشرقين، قدّموا الكثير من المؤلفات التي تعترف بفضلِ العرب على الغرب. منهم من كان اعترافه بدافعِ الحبّ والامتنان، ومنهم، كأصحاب المآرب العدائية، والنزعات الاستعمارية، كانت إشاراتهم عابرة أو ماكرة، في تنكّرها للعطاءات التي قدّمتها الحضارة العربية.
هذه المآرب والنزعات التي تقصّدت الإساءة للحضارة العربية والإسلامية، هي من جعل الكاتب والمستشرق الفرنسي “جاك بيرك” الذي قضى عمره في دراسة آثار العرب، لا يتمنى بأن يُدرج اسمه ضمن قائمة المستشرقين، بل الكتّاب والمترجمين لطالما، ألّف وترجم العديد من الكتب والدراسات التي تتعلّق بحضارة العرب والمسلمين، وكان دافعه حبّه لهم، وشعوره كلّما زارهم، بأن عليه أن يخبرهم:
“أقف إلى جانبِ قضاياكم، لا لأجاملكم، بل لأنها أحاسيسي الصادقة التي ترافقني، منذ صباي حتى شيخوختي”.
فعل ذلك، بعد أن ترجم أشهر مؤلفات العرب والمسلمين إلى الفرنسية، وقد ترجم أيضاً، كلّ ما كان يقع بين يديه من مؤلفات الغرب، إلى العربية. اللغة التي اعتبرها:
“أقوى القوى التي قاومت الاستعمار الفرنسي، والتي حالت دون ذوبان الجزائر في فرنسا، فقد بلورت الأصالة الجزائرية، وكانت عاملاً قويّاً، في بقاءِ الشعوب العربية..”.