بعد الدمار والخراب والتهجير.. أهالي حي التضامن لـ”الثورة”: الأعمال التخريبية طالت كل شيء ونريد المساعدة بإعادة الترميم
الثورة – لينا شلهوب ومريم إبراهيم:
رغم كل الآلام التي تعتصر قلوبهم، ورغم كل الجراح النازفة في أجسادهم الصامدة المقاومة في محراب السيادة والكرامة، إلا أن ذلك لم يؤثر في عزيمتهم وإصرارهم على متابعة الحياة، في مشهد يتحدث عن نفسه، عنوانه الدمار والخراب والتهجير، الذي تعرض له أهالي وسكان معظم المناطق، ومنها أحياء الطبب، وأبنية الإسكان في منطقة التضامن وأحياء دعبول المجاورة لها، في دمشق، وهي شاهد حي على حجم ذاك الدمار الخراب.
لدى الدخول إلى المنطقة، يلفت النظر حجم الأعمال التخريبية التي نُفذت فيها، وتسببت بدمار في مختلف القطاعات الخدمية، إلا أن البعض من سكانها مازالوا يقيمون ويعملون من أجل ترميم ما تبقّى، أو عادوا إليها بعد “ثورة التحرير”.
– عناوين وسيناريوهات:
وخلال جولة لـ”الثورة” في المنطقة، سمعنا شكواهم، إلا أن حجم الأمل والإصرار على العيش بمستقبل أجمل، كان هدفهم، حيث بينت الحاجة فوزية أن الكلام يبقى قاصراً أمام هول المعاناة والألم الذي سببه هذا الدمار، فالقصص لا تقف على حالة أو معاناة واحدة بل لكل قصة عناوين وسيناريوهات مختلفة ومتشعبة.
بحرقة وصوت مخنوق عبرت عن مأساتها، فقبل أربعة عشر عاماً غادرت وأفراد عائلتها منزلها في أبنية الإسكان الكائنة بمنطقة التضامن جنوب دمشق على عجل، تاركة وراءها ذكرياتها المنتشرة في كل زاوية منه، ومقتنياته وأثاثه الذي أمضى رفيق دربها عمره وهو يضع “الليرة فوق الليرة” حتى يجمع ثمنه من خلال عمله موظفاً في الصباح، وعلى سيارة أجرة حتى وقت متأخر من المساء لتأمين المعيشة، لكن المنزل تهدّم على يد قوات النظام البائد، بعد دخول المنطقة، وقصف الأبنية بالدبابات بحجة وجود المجموعات المسلحة في صيف عام 2012، فما كان من ساكني المنطقة إلا مغادرة بيوتهم، دون أن يتمكنوا حتى من إخراج أوراقهم الثبوتية، كما هو حال جميع السوريين على امتداد وطنهم.
وتابعت الحاجة فوزية: “لا أنسى كيف خرجنا من المنزل، وقصدنا منزل ابنتي في الزاهرة الجديدة، وبعد أن سمعنا في الأخبار أن قوات النظام قامت بتطهير المكان ممن كانت تسميهم “الإرهابيين” أصر زوجي على العودة إلى منزلنا، وقال: إذا لم نذهب ونشجع غيرنا على العودة فسنبقى مشردين، ولكن عندما حل المساء بدأت القذائف تتساقط على المنطقة، واحتمينا في الطوابق السفلية حتى تمكنا من الخروج فجراً بمساعدة الثوار، حتى وصلنا إلى مخيم فلسطين.
تتحدث الحاجة بتفاؤل عن المستقبل، بعد تحرير سوريا من الطاغية الذي شرَّد السوريين ونهب بيوتهم وتركها شاهدة على عمليات الإجرام، وتقول: لقد دمر منزلنا في الميادين بدير الزور، ومنزلنا في التضامن غير صالح للسكن، ويحتاج الكثير لإعادة ترميمه، وأولادي تفرقوا داخل سوريا وخارجها، ولكن بعون الله وبهمة أبناء البلد الشرفاء سنتمكن من إعادة إعمار ما تم تدميره بتكاتفنا ووقوفنا يداً بيد لغد أفضل.”
– مناشدات:
وحال الحاجة فوزية كحال الكثير من السوريين، الذين عانوا على مر السنين، وشبيه بهذا الحال ما يتحدث به علي درويش الذي كان يقطن في حي الطبب ساحة العاتقي، حيث أصبح بيته المؤلف من ثلاثة طوابق عبارة عن سطح مستوٍ يمر فوقه العابرون، ولا يكاد يصدق ما حدث، إذ يتنقل من منزل لآخر ليستأجر بيت يأويه، وهذا الآجار بأسعار عالية، لتزيد مأساته أكثر فأكثر، حيث كان تهديم المنزل شاهداً على كم الخراب الذي ألمّ بمنزله وبالمنازل المجاورة، بعد أن تعرضت لسرقة الأثاث، وحتى لسرقة الحديد الذي صنعت منه.
درويش يناشد الجهات المعنية الحالية أن تأخذ بعين الاعتبار حاله وحال قاطني هذه المنطقة ممن أصبحوا بلا مأوى، وتتقاذفهم أطماع الإيجارات المتزايدة يوماً بعد آخر، فيما العديد منهم خلال السنوات الماضية كانوا يسعون لترميم منازلهم، إلا أن جملة من الصعوبات التي وضعها أصحاب الشأن آنذاك، كانت تحول دون ذلك، وتمنع دخول المواد اللازمة إلى المنطقة بحجج كبيرة هدفها التضييق عليهم.
وأردف قائلاً: كنا نريد أن نعيد البناء ونبني من جديد، ولكن لم يسمحوا لنا بحجة أنه سيتم بناء أبراج سكنية في المنطقة، اليوم وبعد انتصار الثورة نتمنى أن يُسمح لنا بإعادة البناء، من أجل التخفيف عن كاهلنا بما يخص الإيجارات، كما نتمنى الاهتمام بالأحياء المسكونة، مع تحسين الطرقات والخدمات، فهناك كثيرون يرغبون بالعودة، وترميم منازلهم، لكن ذلك يتطلب تأمين البنية الخدمية من مياه وصرف صحي وكهرباء ومدارس وغيرها.
– خارج الخدمة:
يشير مصطفى أبو نديم- صاحب بناء مدرسة ابتدائية في حي الطبب، إلى أن البناء مؤجر منذ العام ١٩٨٨ لمصلحة محافظة القنيطرة، لكن المدرسة خرجت عن الخدمة منذ العام ٢٠١١، واليوم مهدّمة كما بقية أملاك عائلته، متمنياً من الجهات المسؤولة الاهتمام بالمنطقة والبناء، والسماح للأهالي بالترميم، وعودتهم إلى منازلهم، وعودة المدارس، لأن ذلك سيكون أرحم لهم من الإيجارات والاستغلال من قبل المؤجرين، والمعاناة المادية من ذلك، كذلك توسيع نطاق الخدمات لتشمل إحداث فرن، إذ أن المنطقة خارج مقومات الحياة، كذلك نتمنى مساعدة المنظمات الدولية وتقديم العون للمناطق المتضررة لعودة الحياة إليها.
– إحراق للفرن:
وأثناء التجوال بالمنطقة، التقت “الثورة” مستثمر فرن أبو ترابي (الضياء) في التضامن، محي الدين مأمون كاعود، حيث استطرد وشرح تفاصيل معاناته خلال السنوات الـ 14 عاماً الماضية، قائلاً: منذ بداية الأحداث لم يتوقف الفرن عن تقديم الخدمات للمواطنين، علماً أن المنطقة مرت بأوقات عصيبة ودامية، لكن المعنيين بمتابعة شؤون المنطقة آنذاك، أجبرونا على المتابعة تحت الخطر، وتحت تهديد السلاح، والأكثر من ذلك كان هناك نزاع بينهم من أجل مصادرة الفرن وأخذه، مطالبين بأن يتحول الفرن لصالح مكتب الشهداء، وبدأت الملاسنات بين اثنين من قادة المنطقة، كل طرف يريد الفرن، التي انتهت بإحراقه، واضطررت لترميم الفرن، وكلفني 100 مليون ليرة في ذلك الوقت، ولم يعوضي أحد، فيما استمريت بالعمل وكلما اتخذ القرار بالتوقف لأن الخسائر باتت تزداد، يرسلون دوريات إلى البيت واضطر للعودة.
وأشار إلى أنه طوال فترة الحرب الدائرة في سوريا، لم يتوقف عن العمل، لكن عندما يزداد الخطر ويتوقف عن عمله، يقولون أنني أتعامل مع المسلحين، إلى أن بدأت أدفع من مالي الخاص للاستمرار بإنتاج الخبز، ثم طلبوا مني ومن غيري المساهمة بحصة لمكتب الشهداء، وفرضوا الأتاوات والضرائب، وإذا لم ندفع، تتوجه البندقية الروسية فوق رؤوسنا، بعد ذلك بدأ التشبيح، وسرقوا المولدة الخاصة بالفرن، وسرقوا كميات المازوت، وعندما سألت عن الموضوع قالوا: المسلحون هم من سرق ذلك.
بعد ذلك تم اعتقالي ووضعي بمركز الدفاع الوطني ثم إلى سجن المزة، مؤكداً أنه حتى الآن أعاني من خلل في يدي نتيجة التعذيب، مضيفاً: استمريت بدفع الأتاوات إلى أن تحررت البلد يوم 8/12/2024، وذلك بعد أن هرب جماعة الدفاع الوطني.
وبعد دخول الثوار بات الوضع أفضل ولا أحد يزعجنا أو يتدخل، مشدداً على أن الخسائر تتفاقم، متمنياً أن تعوضّه الدولة الجديدة، وتطرق إلى أن مخصصات الفرن تبلغ 2000 كيلو أي 2 طناً باليوم، لكن هذه الكمية لا تكفي مع عودة الأهالي إلى المنطقة.
– إشعال نار الفتيل:
إحدى قاطني الحي أم أغيد، وأم هاني، رفضتا ذكر اسمائهن، تحدثتا عما كان يحدث في تلك الفترة، وأكدتا على أن المظاهرات التي كانت تخرج في بادئ الأمر كانت سلمية، إلا أن فرعي الدوريات والمنطقة، هما من أشعل نار الفتيل، وبدؤوا بإخراج أهالي الشباب المتظاهرين من بيوتهم ومن ثم سرقتها أو إحراقها، وكذلك الأمر مع مَن لم يكن موالياً للنظام السابق، كما أنهم أحدثوا حواجز لهم في مداخل المنطقة، ومن خلالها يفرضون الأتاوات على الجميع، متبعين سياسة التعفيش والضرائب والتهجير، كما تم ارتكاب العديد من المجازر بحق الأهالين، ولم يقف الأمر هنا بل كانوا يستغلون كل شيء منها: الدور على الفرن أو عندما تصل سيارة الغاز أو المازوت فالأولوية كانت لهم فلا رادع لهم ومن يعترضهم كانوا يعتبرونه “إرهابياً”.
وأضفن: إن هذا الدمار الموجود في المنطقة ناتج عن قصف النظام البائد بالطيران والميغ وبالدبابات والهاون حيث كان يتم قصف أحياء بكاملها دون الأخذ بعين الاعتبار وجود سكان وأطفال.
– تدخلات بالجملة:
فيما لفتت حسنة العمطوري إلى أنه مع كلِ فجر جديد، يُثبت السوريون أن عيونهم التي تسطع بالحق والكرامة والتحدي، قاومت المخرز، قاومته وجعلته في عيونهم وفي عيون كل من عاداها، وتآمر عليها وتوهم يوماً أنه قادر على هزيمة هذا الشعب الذي يصنع مجده، ويحفظ كرامته، ويحمي سيادته وإرادته بدمائه وتضحياته التي طالت عنان السماء، منوهة بأن الأحداث التي شاهدتها كانت مروعة، خاصة عند ارتكاب المجازر بحق من كان يعرض أذناب النظام البائد، إذ كان يتم سجنه، ونادراً ما يخرج من السجن، فيما يتعرض المسجون للتعذيب فإما أن يموت، أو هم يقتلوه، كما كانت تمارس جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وخاصة بحق أهالي المتظاهرين.
وعرَّجت على أن المعنيين الذين كانوا يسيطرون على المنطقة مدعومون من فرع الدوريات وفرع المنطقة كانوا يتدخلون بكل شيء، حتى في حال أراد أي مواطن أن يبيع بيته، أو حتى يريد أن ينتقل من بيته، لا يستطيع إلا بإذن منهم، عبر تقديم ورقة (لا مانع)، إذ يجب أن يكون عندهم علم بكل شيء، وبالتالي لهم حصة من المكاتب العقارية على ذلك، وإذا لم يظهر صاحب العلاقة هذه الورقة لا يمكنه الانتقال من بيته أو بيعهن، فالبيوت جميعها كانت تحت سيطرتهم عن طريق قسم يدعى (الدراسات) ومن خلاله يتابعون وضع وحالة كل العائلات، كما أنهم كل فترة كانوا يمرون على البيوت لمعرفة سكانها، أو من يقطن بها.
– استرداد النصر:
الشعب السوري أثبت أنه يملك حساً وطنياً وعروبياً عالياً، وهذا ما ترجمه على أرض الواقع، كما أن تطلعات السوريين ترمي إلى غد أفضل، وإلى مستقبل أكثر أماناً واستقراراً، بعد أن ضاع أغلب أبنائها في متاهات الغربة الطويلة، الغربة عن الوطن وقضاياه وحقوقه التي كانت تُغتصب، إلا أن النصر الذي تم الإعلان عنه أتى لتأكيد المؤكد بأن سوريا أم الحضارات، عنوانها دائماً النصر، والأمل كبير بأن المرحلة القادمة مرحلة بناء وإعمار ورسم معالم جديدة ونهضة جديدة.
#صحيفة_الثورة