حسن عبد القادر:
الكل يعلم أن هذه الأرض التي نعيش عليها حكامها ليسوا حملاً وديعاً يقترب منك لتلاطفه أو تلاعبه ومن ثم يعود للرعي.
إن ما عشناه خلال السنوات الأخيرة على مستوى العالم من انقسام داخلي في الدول العظمى من جهة، ومن انقسام أو حروب بين الدول على مستوى العالم، هو أكبر دليل على أننا نعيش في غابة، يأكل فيها الضعيف القوي، والكل يتربص بمن يجاوره أو يقترب منه كي ينقض عليه ويبتلعه، أو يحدث له المشاكل في بيته الداخلي.
الحديث الآن عن سورية الحرة والتي يمكن أن نقول هذا البلد الذي جاء من رحم المعاناة والدمار.
مدمر اقتصادياً وفكرياً واجتماعياً..
من الناحية الاقتصادية لا يمكن أن نسمي النظام الذي كان يحكم سورية قبل يوم التحرير بالنظام ولكن يمكن أن نطلق عليه اسم العصابات فكل مجموعة صغيرة من عناصر هذه العصابة الكبرى كان بإمكانها تشكيل عصابة صغيرة يمكن من خلالها بناء جدول اقتصادي صغير له ولعصابته الصغيرة ومن ثم يعطي جزءاً من هذه الأموال التي سوف ينهبها من الشعب السوري للرتبة الأعلى وهكذا وبالتالي بعد التحرير والدخول إلى المدن الكبرى وجدنا أناساً متعبين ومنهكين بكل ما للكلمة من معنى أناس ذاقوا الفقر بكل أنواعه بسبب تلك العصابات الصغيرة المنبثقة من العصابة الكبرى ولولا رضى النظام البائد لما صارت البلد لما هو عليه.
من الناحية الفكرية في أحد التقارير التي قرأتها عن مملكة النرويج منذ عدة سنوات قرأت حينها أن الحكومة هناك تشعر بالقلق من انخفاض عدد ساعات المطالعة عند الطلاب لساعتين يومياً حسب ما أذكر وهذا مؤشر يدعو للقلق هناك لأنه -بحسب التقرير- هذا الشيء سوف يخفض من البناء الفكري لأبناء مملكة النرويج أي أن القيمة المضافة للعلم داخل العقل النرويجي سوف تنخفض.
الشعب السوري قبل معركة التحرير كان همه رغيف خبز يقدمه رب الأسرة لأطفاله وكم من عائلة ناموا جوعى.
من كان همه تأمين رغيف الخبز ومن بات وبطنه خاوياً لن يستطيع أن يقدم لك بناء فكرياً إلا في حالات نادرة وهذه الحالات لا يمكن أن تكون مقياساً يمكن أخذه بعين الاعتبار فالقواعد تطبق على العموم ولا يمكن قياس الحالات الشاذة عليها.
فأي فكر بناه الأسد قبل زواله؟
لقد بنى مجتمعاً مليئاً بالفكر الأسود القاتم الذي ليس من السهل التعافي منه فلربما على الحكومة الآن التركيز على البناء الفكري في مجتمع مدمر داخلياً قبل أن يكون خارجياً.
من الناحية الاجتماعية لربما قد تفكك المجتمع بشكل شبه كامل فلم يعد بإمكان الكثير من الآباء السيطرة على أبنائهم في مرحلة التربية ومن أهم هذا التفكك الناحية الإعلامية التي سخرها النظام ليعزز هذا التفكك الاجتماعي واتباع وسائل أخرى قد تختلف باختلاف كل منطقة وخاصة أن معظم سورية كان قسم كبير من شبابها غادروا البلاد هرباً من الظلم أو لمساعدة أنفسهم في تكوين مستقبل جديد قد يغير بعض خوارزميات الحياة التي كانوا يعيشونها في ظل الخدمة الإلزامية في الجيش سابقاً.
لربما تدرك الإدارة السياسية الصعوبات التي تواجهها اليوم فليس من السهل النهوض ببناء من تحت ركام الحرب.
بناء يملؤه الدمار الاقتصادي فلا أموال تكفي لإعادة ترميم البيوت المدمرة.
بناء يملؤه الدمار الفكري فليس من السهل تغييب عقلية البعث من جيل نشأ على كذب حزب البعث وتمجيده للقائد الأوحد والمزارع الأول والطيار الأول والعسكري الأول والطليعي الأول و… وهذه الصفات كلها كانت تطلق على حافظ من قبل أن تنسب لبشار لاحقاً ولربما إزاحة هذا البناء الفكري يحتاج وقتاً ليس بالقليل.
إن ما تواجهه الإدارة السورية الجديدة اليوم هو تحديات على المستوى الخارجي من ضباع العالم والتي تتربص للانقضاض على هذا البلد من جهة ولربما كان آخرها الخطة التي تم تسريبها عن مخطط لاغتيال الرئيس الشرع، وعلى المستوى الداخلي هو هذا البلد المحطم في كل شيء.
#صحيفة_الثورة