حمّى التنقيب عن الذهب.. الفاقة هي الدافع والتراث يدفع الثمن

الثورة – تحقيق سومر الحنيش:
في سوريا حيث اشتدت الأزمات الاقتصادية، انتشرت ظاهرة التنقيب عن الذهب والكنوز المدفونة والآثار بشكل لافت في السنوات الأخيرة، ولعل التنقيب عن الآثار بقي واحداً من أكثر الملفات المظلمة في سوريا لعقود.
البعض يبحث عن قطع ذهبية من ضفاف نهر الفرات إلى أرياف دمشق وحماة وحلب، وباتت وسائل التواصل تتناول مشاهد لرجال وشباب وهم ينخلون الرمال بحثاً عن رقائق ذهبية مألوفة، بينما يخوض آخرون مغامرات خطرة في المناطق الأثرية، آملاً في العثور على كنوز قديمة يمكن أن تغير حياتهم، في العديد من المناطق.
يقول أبو خالد، وهو رجل في الخمسينيات من عمره من ريف دمشق: “سمعنا عن أشخاص وجدوا قطع ذهب صغيرة في حي جوبر، فبدأت أبحث بنفسي لم أعثر على شيء ذي قيمة حتى الآن، لكنني لا أملك خياراً آخر، الوضع المعيشي لا يحتمل”.
من البحث عن الكنوز إلى تهديد التراث
في جانب آخر، تنشط شبكات التنقيب غير الشرعي في المواقع الأثرية، من تدمر إلى دير الزور وحلب والرقة، حيث يتم الحفر ليلاً ونهاراً، بحثاً عن كنوز مدفونة أو لقى أثرية تباع بأثمان باهظة في السوق السوداء، وبينما يبرر البعض ذلك بالحاجة الماسة إلى المال، يرى آخرون أن هذه الظاهرة تشكل كارثة ثقافية تهدد التاريخ السوري الذي يعود لآلاف السنين.
على ضفاف نهر الفرات وبعض روافده، يمكن رؤية رجال وحتى أطفال وهم ينخلون الرمال بمناخل يدوية، على أمل العثور على رقائق ذهبية صغيرة، هذه الظاهرة التي كانت نادرة في الماضي، تحولت إلى مصدر رزق يومي لبعض العائلات، رغم الشكوك حول جدواها الحقيقية.
“الناس يتحدثون عن الذهب في مياه الفرات منذ عقود”، يقول أحد الباحثين في مجال الجيولوجيا، “لكن الحقيقة أن الكميات الموجودة – إن وجدت – ضئيلة جداً، ولايمكن استخراجها بطرق بدائية”، ومع ذلك فإن الأمل بقطعة ذهب صغيرة يمكن أن تباع بمبلغ كبير، يجعل الناس يواصلون الحفر والغربلة يوما بعد يوم.
– التنقيب بين الأمل والخطر:
إلى جانب الأوهام المرتبطة بالثراء السريع، يواجه المنقبون مخاطر جمة، من انهيار التربة إلى التعرض لمخلفات الحرب غير المنفجرة، “أحد أقاربي فقد حياته عندما انهار عليه نفق كان يحفره في منطقة أثرية”، يقول عبد الله أحمد، شاب من دير الزور، مضيفا: “الكثيرون يعرفون المخاطر لكن الحاجة تدفعهم للمغامرة”.
وهناك حديث عن عمليات منظمة لتهريب القطع الأثرية إلى الخارج، حيث تباع بمبالغ طائلة، فيما تبقى سوريا هي الخاسر الأكبر، إذ تفقد كنوزها التاريخية بلا عودة.
أبو شدوان، قام ببيع منزله بثمنٍ مخفض لشراء جهاز تنقيب عن المعادن الذي يبدأ سعره من ٢٠ ألف دولار، مدفوعاً بحكايات الجيران عن من قضوا على الفقر بفضل هذه الأجهزة، في منطقته تنتشر مواقع أثرية تعود لعصور قديمة، يصر أبو شدوان على أن المغامرة أفضل من الاعتماد على راتب تقاعدي لا يتجاوز 20 دولاراً، بالكاد تكفيه لشراء أدويته. يقول: “إنها ضربة العمر”.
الثراء السريع أم الطريق إلى الموت؟
يقول أبو سامر، وهو رجل في الستينيات كان يعمل في قطاع البناء قبل الحرب: الكل يسمع قصصاً عن أناس وجدوا الذهب أو الكنوز وأصبحوا أثرياء، لكن بالمقابل، هناك من فقد حياته أو تعرض لإصابة خطيرة دون أن يجد شيئاً.
أحمد شطة يقول: بعد عام من الحفر المنفرد في أرض زراعية شرق قريتي، عثرت على جرة تحتوي على 10 ليرات ذهبية.
ويضيف: رفعت الجرة وصرخت فرحاً، لكني بعت الليرات بأربعة آلاف دولار للقطعة، لاحقاً اكتشفت أن قيمتها الحقيقية تتجاوز 100 ألف دولار لقيمتها التاريخية.
اضطر أحمد للبيع لوسيط في السوق السوداء والهروب خارج البلاد.
– عقوبات صارمة:
ينص قانون العقوبات السوري، بعد تعديلاته، على عقوبات صارمة لحماية الآثار، فمن يهرب أو يحاول تهريب الآثار يعاقب بالسجن من 15 إلى 25 سنة، بينما تتراوح عقوبة سرقة أو إتلاف الآثار بين 10 إلى 15 سنة، كما يعاقب من يخرب أو يزور الآثار بالحبس من 5 إلى 10 سنوات وغرامات مالية، ويوضح القانون أن العقوبات تشمل حتى من ينقّب في أرضه الخاصة، مع وجوب تسليم أي قطعة أثرية تعثر عليها خلال 24 ساعة، وإلا يعتبر الفاعل شريكاً في الجريمة.
– هل من حلول
يرى الخبراء أن: مواجهة التنقيب غير الشرعي تتطلب أكثر من تشديد العقوبات، بل تشمل توفير فرص عمل بديلة وتنظيم استخراج الثروات بشكل قانوني يفيد المجتمع، كما يطالب ناشطون بحملات توعية حول مخاطر التنقيب العشوائي، سواء من الناحية الأمنية أو الثقافية في ظل الأزمة الاقتصادية، تبقى حمى البحث عن الذهب والآثار في سوريا ظاهرة تعكس رغبة الناس في الهروب من الفقر، حتى لو كان ذلك يعني الحفر في المجهول، وسط واقع صعب يتراوح بين الماضي العريق والحاضر المجهول.

آخر الأخبار
في أخطر سنوات عدوان النظام البائد على شعبنا.. هكذا زادت رسوم تراخيص البناء بنسبة 900% الدكتور الشرع يتفقد الخدمات في مستشفى اللاذقية توقعات بنمو اقتصاد المعرفة إلى 75% مع بداية 2025 أبناء الرقة يناقشون همومهم ورؤاهم مع اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني وفد قبرصي في دمشق.. نيقوسيا تبحث رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا الرئيس الشرع والسيد الشيباني يستقبلان وفدا قبرصيا رفيع المستوى بازار "ألوان سوريًة".. طباع لـ"الثورة": إقبال عربي ودولي و160 سيدة أعمال شاركن بالبازار دعماً لمستشفى درعا الوطني.. رجل الأعمال موفق قداح وأبناؤه يقدمون 200 ألف دولار تعاون مع  "أطباء من أجل حقوق الإنسان" لتعزيز الطب الشرعي انطلاق الجلسة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في السويداء تجمع أبناء الجولان المحتل بدرعا:  النظام البائد باع الجولان وهمش أهله ونقف مع إدارة سوريا الجديدة هل تستعيد حلب دورها الاقتصادي؟ الاحتلال الإسرائيلي يضع بوابة على مدخل المحمية الطبيعية في بلدة جباتا الخشب في الجولان غراندي: تعزيز جهود التعافي المبكرة في سوريا ضرورة لعودة اللاجئين سوريات يخلقن فرص عمل.. مشاريع منزلية بعضها يعود إلى 45 عاماً استجابة لما نشرته "الثورة".. نقل درعا تعيد دائرتها للصنمين مدرسو كلية الفنون الجميلة تجمعهم كلمة "سوريا" محمد المحاميد.. الشهيد الذي وُضع في ثلاجة الموتى حياً وكتب وصيته على جدرانها بدمه "الولاية القضائية العالمية وتوثيق وأرشفة الأدلة" بورشة متخصصة بدرعا صباح الوطن الجميل من بصرى التاريخ