الثورة – رنا بدري سلوم:
تأملت مطولاً بفنجان القهوة الذي يشربه الضيف، ولفتتني العادات التي ترافق تقديم “القهوة المرّة” للضيوف بفناجينها الأربعة.
أولها فنجان “الهيف” يشربها المضيف ليثبت لضيوفه أن القهوة ليس بها ما يؤذيهم، والفنجان الثاني “الضيف” يشربه الضيف إكراماً لمضيفه، والفنجان الثالث “الكيف” يشربه الضيف يستمتع بمذاق القهوة، أما الرابع فيُطلق عليه “السيف” ويشربه الضيف وهو يعني أن الضيف متضامناً مع ضيفه في حال تعرضه للاعتداء.
هذه المعاني لفنجان القهوة المرّة عادة دارجة في شبه الجزيرة العربيّة وبلاد الشّام كالأرياف والمناطق الصحراويّة بالعموم في كل الظروف، فلم تفارق الدلال النحاسيّة الممتلئة قهوة مرّة، وصوت “المهباش” الذي يطحن به حبات القهوة المحمّصة مع حبات الهيل، من العادات الموروثة قديماً، حيث كانت الدلال النحاسيّة لا تترك موقد النار أبداً، حتى عند الذين هُجروا من مختلف المحافظات السوريّة، وخاصة ساكني المخيّمات فالكثير منهم من العشائر السوريّة الذين ما برحوا عاداتهم في صبّ القهوة العربيّة لما لها من رمزيّة مرتبطة بالإنسان العربي في حلّه وترحاله، يحتفظ بها كمؤونة، ليقدّمها للضيف ترحيباً به.
تقديم القهوة يرمز للكرم وإغاثة الملهوف وقضاء حوائج الناس، فكثير من المناسبات الاجتماعية بما فيها الأفراح والأتراح، والخلافات والشجارات الجماعيّة، يبدأ حلها عن طريق فنجان القهوة، لفض النزاع أو لقبول طلب من الشخص المضيف.
تبقى القهوة العربية المشروب الرسمي والمحبّب عند أبناء القبائل والعشائر السورية، رغم تطفّل الكثير من المشروبات الساخنة والباردة على حياتنا، يبقى في مرارها حلاوة الشرق.
#صحيفة_الثورة