الثورة – ديب علي حسن:
في المأثور العربي القديم من تعلم لسان قوم أمن ما عندهم، والأمن بشكله العام هنا علم ومعرفة، وقديماً شغف العرب بالترجمة التي هي جسر التثاقف الإنساني الذي لولاه لغدت الإنسانية قطعاناً متوحشة.
مجلة جسور التي تصدر عن الهيئة العامة للكتاب في عددها (٣٥) تفتح هذا الملف، وهنا نقف عند رأيين الأول للمترجم شاهر أحمد نصر من ضمن حوار أجرته معه سلوى صالح يقول عن أهمية الترجمة..
تدقيق ومراجعة
يرى رئيس تحرير مجلة جسور باسل مسالمة أنه (يجب على المترجم المحترف المحافظة على أسلوب الكتابة في النفس الأصلي، وهذه مسألة قلما ينتبه لها المترجمون كما يجب عليه أن يتمتع بالصبر والتأني في قراءة النص الذي يريد ترجمته وفهمه واستيعابه فمن دون هذه القراءة لن يتمكن من إنتاج ترجمة أصيلة، وأن يوصل المعنى بدقة وأمانة، ومن ثم يجب على المترجم المحترف أن يدقق ترجمته تدقيقاً لغوياً من خلال قراءة نصه بعين الناقد والمدقق لتخليصه من الأخطاء اللغوية والنحوية، إذن لا يكفي أن يمتلك المترجم شغفاً بالترجمة بل عليه أن يكتسب المهارات التي تساعده على أن يكون متميزاً، وهذا التميز لا يأتي إلا بالممارسة والممارسة تجلب الكمال كما يقال.
فن تطبيقي
ويضيف مسالمة (غير أن هناك من يؤكد أن الترجمة فن، يرى الدكتور محمد العناني في كتابه فن الترجمة بأن الترجمة فن تطبيقي، وأنا استخدم كلمة فن بالمعنى العام أي الحرفة التي لا تتأتي إلا بالدراية والمران والممارسة استناداً إلى موهبة.
يؤكد عناني هنا أن الترجمة فن لأن المترجم ببساطة حين يتجاوز المعنى الحرفي للنص ليبدأ رحلة التنقيح وإعادة صوغ النص واختيار مفرداته وإرساء قواعده التعوية والأسلوبية، ليقدم لنا نصاً متميزاً وفريداً، ويرى البعض أن الإبداع يكمن في جوهر عملية الترجمة فليس من السهل نقل رسالة النص الأصلي بأمانة وصدق وأسلوب جميل، ولا بد أن يتدخل المترجم في إحياء النص ونقل ثقافته ورسم ملامحه وصفاته بأسلوبه وطريقته، ولكن تبرز هنا خطورة أن يفرض المترجم على النص أفكاره وآراءه الخاصة به مما يؤدي أحياناً إلى تغيير المعنى المقصود النص الأصلي.
بيد أن هذا الأمر في حد ذاته يجعل المترجم فناناً مبدعاً، لأنه يقدم لنا عملاً فنياً جديداً وينقل له هذا النص بروح جديدة من الصعب على المترجم ألا يضفي بعضاً من ثقافته ومعتقداته واختبارات على النص الأصلي مهما حاول التزام جوانب النص اللغوية والمعرفية ليبحر من ثم في عالم الإبداع.
السؤال الذي يطرح نفسه هو الآتي أين يكمن إبداع المترجم في ظل التطور الضخم الذي يحدث تقنيات الترجمة الآلية في عصرنا الحالي، فهل يتحول المترجم هنا إلى محرر للنص..؟
خلاصة القول أن الترجمة باتت من أكثر المهن أهمية في عصرنا الحالي، ولاسيما في ظل التواصل المستمر بين الثقافات المختلفة وزيادة الحاجة إلى فهم اللغات وهذا يفرض مسألة الاحتراف.
إذ يجب على المترجم أن ينتج نصاً يحاكي النص الأصلي، ويحدث في نفس المتلقي الأثر نفسه الذي أحدثه النص الأصلي فيه، وأن ينقل للقارئ روح النص بسلاسة ويسر، وهذا يتطلب أن تكون الترجمة علماً وفناً ومهارة وحرفة وإبداعاً في أن معاً، ولا بد أن يجمع المترجم بين التخصص العلمي والمهارة المكتسبة في اللغات التي يترجم منها وإليها حتى يحقق هدفه المنشود.
#صحيفة_الثورة