الثورة – همسة زغيب:
تعتبر طقوس الشهر المبارك موروثاً اجتماعياً وثقافياً غنياً تمتزج فيه الروحانيات الدينية بمظاهر احتفالية فريدة تنبض بالحياة، وتعكس روح الأصالة والكرم في مختلف البلدان، وتعمّ الفرحة بحلول شهر الخير والبركة، وله عدة مسميات منها “الشهر الفضيل”، ويُشير إلى فضل رمضان وأهميته الروحية، وأما الاسم المعروف هو “رمضان” وهو الأكثر شيوعاً ويُستخدم في معظم الدول العربية والإسلامية، كما يُشير “شهر الصوم” إلى وظيفة الشهر الأساسية وهي الصيام، ويدل “شهر الرحمة” على الرحمة والمغفرة التي يحملها، ويُعبر اسم “شهر الغفران” عن فرصة العباد لمغفرة الذنوب، وشهر البركة يُلمّح إلى التبريكات التي يتم الحصول عليها.
تنتشر أجواء البهجة والفرح تعبيراً عن فرحة استقبال الشهر الكريم، وما يتبعه من مظاهر الخير والبركة والسلام والمحبة التي تعمّ على الناس، والبيوت مضاءة والشوارع والمساجد، وهي تزين بالفوانيس المضيئة بالأنوار الملونة بطريقة خاصة ومميزة، ومدفع الإفطار، وموائد الرحمن التي تجسد روح التكافل الاجتماعي وغيرها من المظاهر الاحتفالية الخاصة.
ولشهر رمضان المبارك عاداته وتقاليده التي تميزه، وهي جمع الأهل والأحبة على موائد الإفطار، وتبادل الأطباق والمأكولات الرمضانية بين الجيران ما يزيد من الترابط الاجتماعي، ويحرص الصائمون على التقرب من الله بالعبادات والذكر مثل قراءة القرآن وأداء صلاة التراويح، إلى جانب الصلوات المفروضة والصدقة ومساعدة المحتاجين والفقراء.
تبدأ التحضيرات وتجهيز الطعام قبل الشهر الفضيل، فكلّ شيء يكون منظّماً ومرتّباً للتفرغ للطقوس الإيمانية والصلاة، فتزدحم الأسواق بالبضائع والمتسوقين، ومن أهم طقوس مائدة رمضان الخاصة في اليوم الأول إعداد أطباق لونها أبيض كاللبن المطبوخ كرمز للتفاؤل، وتعتبر شوربة الحساء الرمضاني جزءاً أساسياً من طقوس رمضان.
ويعتبر مدفع الإفطار من أبرز ملامح شهر رمضان، حيث تبدأ مراسم الاحتفال برمضان عن طريق إطلاق مدفع الإفطار أو الإمساك، ورغم اندثارها في بعض المدن، فإنها لا تزال جزءاً لا يتجزأ من الفولكلور الشعبي في العديد من الدول العربية.
ولا تخلو مائدة الإفطار عند الصائمين خلال شهر رمضان من المشروبات المغذية بمختلف أنواعها، كالجلاب وقمر الدين والتمر هندي، فهي ذات مذاق طيب وقيمة غذائية عالية.
ومازال المسحراتي الموروث الثقافي القديم، يسعد الناس بصوته، وهو يجول الشوارع قبل بزوغ الفجر وبيده طبل، لإيقاظ الصائمين لتناول وجبة السحور، والأطفال فرحين به ومنتظرين قدومه كل يوم، وهو ينادي بصوته على النائمين ليستيقظوا ولا يفوتهم السحور وصلاة الفجر.
وأخيراً.. مهما اختلفت طقوس شهر رمضان، يبقى الرابط بينها هو أنه شهرٌ واحد يأتي كل عام، وتتغير فيه ملامح الحياة اليومية وإيقاعها بشكل جذري، يصوم فيه المسلمون في أنحاء العالم، وهو الشهر التاسع من أشهر السنة الهجرية، ويحفظ لنا تاريخاً عريقاً بكل خصوصيته تتوارثه الأجيال.