الثورة – سعاد زاهر:
زواريبها منذورة للاهتراء، وألوانها باهتة، وكلّ الدروب في تلك القرية التي لم نعرف لها اسماً في مسلسل (البطل) للمخرج الليث حجو، تضيق بسكانها، وتضمهم إليها في حجارتها الضيقة غيرآبهة بأنينهم ولا برغبة أرواحهم الانفلات نحوأفق مغاير.العمل كتبه الليث حجو بالشراكة مع رامي كوسا كاتب السيناريو والحوار، عن فكرة للكاتب الراحل ممدوح عدوان، إنها ثلاثية فكرية تصنع عملاً مغايراً، تدور في فلكه شخصياته منهكة بثياب مهترئة، في لحظات كثيرة تبدوأنها تسيرعلى غير هدى.التيمة الرئيسية في العمل “التهميش” بدءاً من قريتهم وصولاً إلى مختلف تفاصيل حياتهم، وكأن القدرصنع تلك القرية الغارقة في بؤسها خصيصاً لهم، كي لا يتمكنوا يوماً من الانتعاش، والحصول على فرصة حقيقة للعيش، لديهم حياة مفصلة على مقاسهم غارقة في تضييق الخناق، حتى يبدو تنفس الهواء يحتاج إلى استثناء.إلى جانب بطل العمل مدير مدرسة القرية يوسف عيد الصالح “بسام كوسا” تدورشخصيات في مواضع عديدة تبدو هي الأخرى لا تقل بطولة عن “البطل” ذاته، ابنته نورعلي، وخطيبها خالد شباط، وزوجته هيما إسماعيل، والأهم تلك العلاقة التي تربط بينه وبين محمود نصر، الذي ولد في السجن بعد أن قتلت أمه، والده.لعل أكثر ما يلفت النظر في العمل الحالات الأدائية، ففي لقطة درامية يرمي “فرج” إناء غسيل الموتى بحركة هستيرية ويصرخ بوالدته “جيانا عيد” متشائماً مما فعلت، لقطة مدهشة تخفي أكثرما تظهر، خاصة حين يغطس في البرميل ويبدو بلقطة بعيدة غير قادرعن الافتراق عن ذلك المكان الضيق وكأنه قدره المحتوم.وبينما يمضي مع الأستاذ يوسف لخطبة الفتاة التي أحبها، في لحظة نحتار أيهما البطل..؟إلى أن تمضي أحداث المسلسل وصولاً إلى تلك اللحظة التي تحترق فيها المدرسة التي يدرس فيها بسام كوسا، وحين يسقط من على سطح المدرسة بعد أن أنقذ أحد الأطفال، الأمرالذي يشل حركته ويضع عائلته في مأزق، يضاف للوضع الصعب أساساً الذي تعاني منه تلك القرية الفقيرة الغارقة في مآسيها حتى الثمالة.علاقة تلك الشخصيات في محيط القرية الضيق، تتداخل وتتعقد مع تصاعد المواقف، ويهرب الحبّ كما فعل مع فرج، أو بانتظارلقاء مؤجل كحال سلافة “نانسي خوري” مع زوجها.ولكن أكثر ما يجبرهم على الغوص في ألوان العذاب تلك العلاقات التي تأتي من فوق على شكل مدير هيما إسماعيل في العمل، حيث يورطها في قضية فساد، ويبتزها.ولعل أكثر ما يلفت النظر في المسلسل، إن إصرارأبطال العمل على خيارات صائبة في واقع مزر يعرضهم لأقسى أنواع العذاب، وحين يختار فرج أن ينضم إلى قافلة التهريب يتبدل إيقاع العمل، ويتزامن مع إشعال يوسف لنار لا تنطفئ، بل هو الذي ينكفئ على كرسيه المتحرك، الذي قبع عليه بعد إنقاذه لأحد طلاب مدرسته، يقدرونه إلى حين، ولكنّهم فيما بعد يرسلون بديلاً عنه، ويبقى هو يدورمع عجز ينتقل إلى كلّ ما حوله.لعل أهم تيمة يحفل بها العمل “الراوي” يؤديها إضافة إلى دوره بسام كوسا، حيث مع نهاية كلّ حلقة نعيش مزجاً أدبياً لحالة يختصر الحلقة الدرامية، التي رغم كلّ البؤس الذي تصدره، يصرمخرج العمل على تغليفها برؤية بصرية تعملق الحالات الدرامية لأبطال العمل، ولكنّها في الوقت ذاته تظهر محدودية الفرص، وضيق الأفق، وحتمية المصير.يقول الراوي في إحدى الحلقات “ربما حكاية فرج بدأت قبل أن يولد”، يقاوم مصيره قبل الانضمام إلى قافلة الغارقين في الخطيئة.. فيكون القدر له بالمرصاد، لا نعرف مع تتالي الحلقات إلى أين سيودي به، ولكن على ما يبدو أن لا بطولة في أمكنة تضيق بساكنيها، تودي، بهم في كلّ مرة إلى حافة المصيبة، فهل يتقنون النجاة..؟!!