الثورة – رنا سلوم:
ذات مرّة، تحاورنا عن السّعادة بأنها لم تذكر في القرآن الكريم كمفردة «سعادة» إلا وكانت معطوفة مع « فمنهم شقيٌ وسعيدٌ» فمتى نستقطب السعادة وحدها؟.
سؤال استفزّني بعد أن اطلعت على آخر تقرير لموقع السعادة العالميّ الذي نشر مؤخراً بمناسبة «اليوم العالمي للسعادة»، قائمة بأسعد دول العالم، لعام 2025، وهي كالآتي « فنلندا الدنمارك، أيسلندا، السويد، هولندا، كوستاريكا، النرويج، إسرائيل، لوكسمبورغ، المكسيك».
ومن المستغرب أنّ الدراسة التي ضمت ١٤٧ دولة لم تحجز أي دولة عربية مكاناً لها من ضمن العشر الأوائل ولاسيما أنّها تصدّر للعالم انفتاحها الإعلامي التقني وتقدّمها العمراني والاقتصادي» وخاصة أنها قد خصّصت وزارة للسعادة.. إذاً عليها أن تعيد حساباتها في النظر للسعادة التي تنعكس على الإنسان!.
فالدول التي حصدت المراكز الأولى أعطت أهميتها للفرد.. تكافله، أمنه، أمانه، دخله، حريته.. ونحن الشعوب العربية الأكثر تداولاً وتناولاً لعبارات الحث على التكافل الاجتماعي المطبّق فعليّاً في دول الغرب الأكثر سعادة لم نحجز لنفسنا مكاناً..للأسف..
فقد وجد الباحثون وبحسب موقع السعادة العالمي “وورلد هابينيس” أن العوامل الرئيسيّة التي تسهم في سعادة الأفراد هي الدعم الاجتماعي والدخل والحريّة الصحيّة ومدى انتشار الفساد ومكافحته، وبذلك يشعر الفرد بالطمأنينة والسلام الداخلي الذي يعكس نفسياً على أسلوب حياته السعيدة.
نبارك لدولة «فنلندا » التي حافظت على سعادة مواطنيها وتصدرها المرتبة الأولى للعام الثامن على التوالي حرصاً منها على أن تكون الأقوى في العالم، نعم الاستثمار الأمثل هو الاستثمار البشري الذي ينفتح على العالم فيصدّر السعادة التي ينتجها بوعي وحب وعلم وحضارة هكذا يكون بناء الإنسان والأوطان.
وإليكم ترتيب البلدان العربية التي ضمّتها الدراسة فقد جاءت الإمارات العربية المتحدة في المركز 21 عالمياً، والكويت في المركز 30، والمملكة العربية السعودية في المركز 32، وسلطنة عمان في المركز 52، والبحرين في المركز 59 عالمياً، وليبيا في المركز 79، والجزائر في المركز 84، والعراق في المركز 101، بينما جاءت فلسطين في المركز 108، والمغرب 112، وتونس 113، والصومال 122، والأردن 128، ومصر 135، واليمن 140، بينما حلَّ لبنان في المركز الأخير عربياً وجاءت أفغانستان في المركز الأخير عالمياً.
لا أخفيكم القول، لا أدري لماذا مقولة عميد الأدب العربي «طه حسين» تبادرت إلى ذهني بقهر حين قال «إن الأمّة التي تحارب الفقر بالدعاء وتحارب الجهل بالمناهج الدينيّة وتحارب التخلّف بالفتاوى وتحارب الفساد بخطب المنابر وتحارب انقسام المجتمع بالمذهبيّة والتكفير، وتحارب البطالة بالزواج والإنجاب.. هي أمة ميّتة»، وأخاف وليس تشاؤماً أن نأد السعادة التي نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى، بعد كل هذه الآلام والآثام التي نعاني منها نحن العرب، وخاصة وبعد أن قرأت اسم فلسطين المحتلّة ولم أقرأ سوريا بلدنا التي ولدت من جديد، فلماذا لا نهيىء الظروف لنحجز لها مكاناً بين الدول المتقدّمة.
أخيراً.. علينا ونحن من أسلم وجوهه لله، فاستحقيّنا أنْ نكون بمقتضى الجَعْلِ الإلهي “خير أُمَّة” أن نستقّطب السّعادة التي وعدنا بها في محبّة بعضنا البعض وتكافلنا وتكاتفنا وتغافلنا عن الأخطاء الصغيرة لنمتلك مقوّمات السّعادة الروحيّة التي تفتحُ أبوابها لتقبّل الآخر ومساندته ومساعدته بشتى الطرق، مجتمع يسود فيه العدل والمساواة، يتّسعنا جميعاً تحت شعار من حقّنا أن نعيش سعداء، فالسعادة مشروع وطنيّ كبير يستقطب أنظار العالم بأكمله من أجل بنائه، يكون الإنسان فيه منطلقه ومنتهاه.