العائلات تنام في العراء والديدان تتمدد في البيوت .. إنتاج الحرير.. مزايا تنتظر الاستثمار والتغير المناخي يدفع باتجاهها

الثورة – معد عيسى
ما زالت هناك عدة أجيال في جبال الساحل السوري والريف الغربي لمحافظتي حماة وحمص وبعض أرياف إدلب تعيش على ذكريات تربية دودة الحرير، وشخصياً أنا من تلك الأجيال حيث كانت آخر سنة ربينا فيها دودة الحرير عام 1992 وكنت حينها سنة ثالثة في الجامعة.

ببساطة موسم الحرير موسم عائلي يشترك فيه كل أفراد العائلة مدته أربعين يوماً، حيث كانت تأتي اليرقات من اليابان في الشهر الثاني أو الثالث ونقوم بوضعها في الثلاجة لحين ظهور أوراق التوت (بحجم الليرة)، حينها يتم إخراج اليرقات من الثلاجة ووضعها على قطعة قماش بيضاء (خام) تحت (الصوبيا) لتدفئتها، وبعد أيام تفقس هذه البيوض وتتحول إلى ديدان صغيرة جداً، تنقل إلى (الكرينات) وهي مثل الصناديق تصنع من روث البقر مع التبن، وبعدها يقوم رب المنزل بقطف بضع ورقات من التوت، يفرمها ويرشها على الديدان لتتغذى عليها، وهكذا لمدة أسبوع، تنام بعدها الديدان لثلاثة أيام وتستيقظ ديدان بحجم 1سم، توزع في عدة (كرينات)، وتبدأ بالأكل وتزداد حاجتها إلى ورق التوت، وبدل عدة ورقات تأكل ما يعادل نصف (شوال) ومن دون فرم، وبعد أسبوع تنام للمرة الثانية لمدة أربع أيام، وهنا تخرج العائلات من البيت لتوفر مكاناً أوسع للديدان، وبعد الاستيقاظ يرتفع استهلاكها من أوراق التوت ليصبح أكثر من (شوال)، وهكذا لمدة أسبوع، ويصبح طول الدودة حوإلى 3سم، وبعدها تنام لمدة أربعة أيام (نومة الحمرا)، وبعد الاستيقاظ تستنفر أفراد العائلة بتوزيع الديدان على مساحات أكبر، وتبدأ ورشة عمل لجميع الأفراد حيث تستهلك هذه الديدان ما يعادل يومياً عشر (شوالات)، ويجب أن تأكل بشكل دائم وتكبر الديدان ليصل طولها لأكثر من 5سم، وخلال أسبوع من الطعام المستمر يتحول لون الديدان من الأبيض الناصع إلى اللون الأبيض المائل للصفار، وهذا مؤشر أن دورة حياة الدودة قد انتهت وبدأت مرحلة بناء شرنقة، حينها يتم وضع أغصان الشيح فوق الديدان فتتسلقها وتبدأ بحياكة الشرانق حول نفسها، وهكذا ينتهي الموسم بقطف الشرانق وبيعها، وكل سيدة تحتفظ بكمية من الشرانق وتقوم بغزل منديل حرير لها، من 8000 طن إلى طن تربية دودة الحرير- كما ذكرنا سابقاً، تركزت في محافظات اللاذقية، طرطوس وأرياف إدلب وحماة وحمص، وكان يعمل فيها عدد كبير من العائلات، وتعتبر مصدر الدخل لكثير منها، وما يميز هذا الموسم، الزمن القصير والجهد خلال أسبوع واحد، تربية دودة الحرير قديمة في سوريا، وكانت تنتج عام 1858 حوالى 8000 طن من شرانق الحرير، وانخفض الرقم إلى 6000 طن عام 1913، ونتيجة السياسات والظروف المختلفة وانخفاض العائد المادي بدأ الإنتاج بالانخفاض إلى أن تدخلت الحكومة في الستينيات وبنت مصنعاً لحل الشرانق في الدريكيش، وأغلقت أكثر من ستة معامل خاصة، ولاحقت التجار الذين كانوا يشترون الشرانق بمبالغ تزيد عن 50 بالمئة من الأسعار التي كانت تأخذ بها الشرانق وتطور الأمر لتدخل اللجان والتلاعب بالمواصفات والأوزان، وسمحت باستيراد الحرير الصناعي لمصلحة الصناعيين، الأمر الذي أدى لعزوف الناس عن تربية دودة الحرير، وتم قطع أشجار التوت وإحلال زراعات بديلة، كالتفاحيات وأنواع أخرى من الأشجار، انقرضت الآن بسبب التغير المناخي وانتشار الأمراض، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وغلاء أسعار المبيدات، وعدم مراقبة جودتها وضعف المردود، وهكذا وصلنا في النهاية إلى إنتاج لا يزيد عن 2 طن عام 2010، محاولات إنعاش فاشلة بعد سنوات من الإهمال والمضايقات والتعسف، تنبهت بعض الجهات لحجم الكارثة التي ارتكبت بحق قطاع يقال إن خيوطه وشرانقه الحريرية شكلت منتصف القرن التاسع عشر30 بالمئة من قيمة صادرات موانئ سوريا، و70 بالمئة من قيمة صادرات ميناء بيروت، والتي كان وجهتها فرنسا، وساهمت في ازدهار صناعة النسيج الفرنسي، ولم يستبعد البعض أن اختيار فرنسا لسوريا ولبنان للانتداب بعد الحرب العالمية الأولى كان مرتبطاً بتأمين المواد الخام لصناعة النسيج من الحرير المنتج في سوريا ولبنان، في المحصلة فشلت مبادرات الإنعاش في إعادة إحياء هذا القطاع نتيجة عدم الثقة بالسياسات المتبعة في التعامل مع هذا القطاع، وكذلك بسبب تراجع عدد أشجار التوت بشكل كبير جداً وتداخلها مع أشجار أخرى تجعل منها غير صالحة لتربية دودة الحرير نتيجة حساسيتها لأي مبيد أو روائح أو تلوث، وكان انخفاض إنتاج اليرقات الموردة بمثابة الضربة القاضية لإقناع الناس بالعودة إلى تربية دودة الحرير.

التغير المناخي يدفع باتجاهها

أصبح التغير المناخي مقرراً للخطط، وعلى أساسه ترسم السياسات الزراعية والغذائية والصناعية، ومع احتباس الأمطار في سوريا، وتراجع كميات الهطول بات واضحاً أن ما قام عليه الأجداد كان تراكماً لخبرة مئات السنين، واصطفاء لتجارب زمنية طويلة، واختياراً دقيقاً للأصناف النباتية المناسبة لكل جغرافيا، وعليه وبالمنطق ومعروف لدى الكثيرين أن مساحات واسعة في الجبال الساحلية وإدلب وريفي حمص وحماة الغربي لم تعد مناسبة لكثير من الزراعات الدخيلة التي تم تجريبها وفشلت، وأن ما قام عليه الآباء والأجداد كان اصطفاءً لأفضل الأصناف والنشاطات، ولا بد من العود لنشاطات الأجداد الاقتصادية وتطويرها ومكننتها، وفي المقدمة تربية دودة الحرير التي يُمكن أن تتحول إلى ميزة للمنتج السوري ورافداً اقتصادياً مهماً ومصدراً لتحسين دخل الآلاف من العائلات. ميزة تنافسية للصناعة شكل الحرير الذي كان ينتج لسنوات طويلة في سوريا فرصة كبيرة لتميز الصناعة السورية، ووصلت المنتجات السورية إلى قصور أوروبا وأباطرتها، والجميع يعرف البروكار السوري، وبإعادة تربية دودة الحرير يُمكن أن تعود الحيوية لقطاع الغزل والنسيج في سوريا، ولاسيما في دمشق وحلب بمزايا الحرير السوري، وهذا يحتاج لجهود أهلية بدعم من التجار والصناعيين برعاية رسمية نتمنى آلا يطول إدراكها لأهمية الأمر، وأن يكون الدعم والجهد جديين وفقاً لقواعد بحثية علمية لا تنظيرية امتهنت جلوس المكاتب وإصدار القرارات التعسفية حتى بدت كأنها عقابية، أخيراً..الاقتصادات تبني ميزتها على المزايا الخاصة التي تمنحها الطبيعة لمنتجاتها، ولكن غياب السياسات والأبحاث الداعمة وطغيان التجار ضرب كل المزايا، وأحال بلداننا إلى مستورد حتى لمنتجاتنا التي نصدرها من دون تصنيع، وما لم نبدأ مرحلة جديدة من التعاطي مع الواقع سنبقى مستهلكين لمنتجات الآخرين.

آخر الأخبار
أردوغان: إسرائيل تزرع الانقسامات في سوريا وتهدد استقرار المنطقة ترحيب واسع بمحادثات مسقط ترامب متفائل والبيت الأبيض يصفها بالبناءة برمجيات خبيثة تتسلل للهواتف الذكية.. "أمن المعلومات" يحذر: Crocodilus تسرق بياناتك إلغاء جمركة الموبايلات يفتح التكهنات باتجاه التحوّل الرقمي والحكومة الإلكترونية المباشرة بتنفيذ شبكات المياه في قرية دبلان بدير الزور الذكاء الاصطناعي" ومكافحة حرائق الغابات بالتعاون مع الجمعية الطبية الألمانية.."نبضنا واحد" تدريبات طبية متقدمة في مستشفى حماة شو "الأمانة السورية " ذراع أسماء الأسد المخربة.. مشروعها في التكية السليمانية كارثيٌّ العمل مستمر لإصلاح الأعطال الكهربائية في مصياف البسطات في منطقة الريجي باللاذقية تعوق حركة المرور تأهيل وتجميل جسر الحرية بدمشق مستمر حلب.. حملة لإزالة آثار النظام البائد من شعارات ورسومات "أكساد" شريك رئيس في معرض سوريا الدولي الثالث "آغرو سيريا" "كهرباء اللاذقية".. تركيب محولة في الحفة وإصلاح الأعطال في المدينة خدمات صحية متكاملة في صافيتا جهود مستمرة لتأمين الكهرباء في جبلة مزاجية ترامب تضع أسواق النفط على "كف عفريت" اجتماع لتذليل الصعوبات في المستشفى الوطني باللاذقية متابعة جاهزية مجبل الإسفلت بطرطوس.. وضبط الإشغالات المخالفة بسوق الغمقة الحرب التجارية تدفع الذهب نحو مستويات تاريخية.. ماذا عنه محلياً؟