الثورة – عمار النعمة:
جميل حداد الرجل الشاعر الفارس نبلاً وقيماً وقدرة على الإبداع، يتحفنا من جديد بديوان يضاف إلى ثراء إبداعه السابق.. إنه الديوان الثامن الذي يصدره، وهو من عيون الشعر الكلاسيكي الجديد الذي لم تضق به بحور الخليل.
ما بين الهم الوطني والإنساني والأخوانيات يمتد الديوان على أكثر من ١٤٠ قصيدة
يقول الشاعر في تقديم أوجزته البلاغة:(إلى جميع أحبتي وأنا أختم الديوان الثامن أقدمه لقارئه بسرور الواهب الذي عجم الشعر عوده، واعتلى ناصيته في حياة أحد أصحابه المؤمنين به رسالة طيبة مزهوة بالصدق في عواطفه، والإخلاص في كلماته، والوفاء لمن فارقوه وماتوا على حبهم، يقرأ ويكتب ليترك لأولاده وأولادهم شعلة الحياة الـتي تزهو بأصحابها حتى يأذن الله بانتقال الشعلة إلى جيل جديد مؤمن بالله، وبـما أعطاه للناس من الحب المتوارث والإيمان بجود صحة عطائه، لا أحب الإسهاب في تقديم ديواني لأنه لا يحتاج إلى ذلك، ولا يحتاج قراؤه المزيد من التعريف ففيه من ثراء المعنى ولغة الصدق والحــق كلمات كافية.
براعة تسيل شعراً
أما الشاعر الدكتور جهاد بكفلوني فقد كتب في تقديمه: ولكي يلقي الله مساحة أكبر من محبة أستاذنا جميل في قلوب الناس، خصّه بشاعرية خصبة جعلت مجموعاته الشعرية ثرية، حتى بلغت ثماني مجموعات، وما زلنا نحن عشاق الكلمة المجنحة موعودين بالمزيد.
كانت يراعة العم أبي فراس تسيل شعراً عذباً فُراتاً، وكنت محظوظاً بالاطلاع عليها، وكنت أطارحه القصائد مطارحة تشي بحجم إعجابي بما تخط يمينه من شعر تفجرت ينابيعه لتسعد القرَاءِ، ولتفرح عقول محبّيه الذين كان يرسل لهم القصائد قبل أن تجتمع في ديوان، كنا دائماً نترقب صدوره بلهفة واشتياق وصبر قتيل.
تلقى العم الأستاذ أبو فراس دعوة لزيارة متنزه جميل من متنزهات الأدب العربي، ولأن عمي يحاط بالتقدير حيثما حل، فقد أنزله الداعي في خميلة رائعة تسمى تاريخ آداب العرب لصاحبها الكاتب الكبير الشاعر الأنيق مصطفى صادق الرافعي، وقد طابت نفس العم بتلك الخميلة التي وشتها يدا الرافعي.
ومن أجواء الديوان نقتطف: الحنين والعرين إليك دمشق أبدأ بالمسيرعلى أقدام معتلّ بصير يراودني الحنين بكل صدق ويدمي القلب من شوك السرير فيغدو الدرب في حلم يسير وأرفل في السعادة والحبور هواء الشام كنز لا يجارى جبال الشام مأوى للنسور إذا جن الظلام يوم عتم فنورك يهدي لليل الضريرإلى ذاك العرين أعود صبحاً وتمضي العين من سور لسور.
وفي قصيدة ثانية عن الشام تحت عنوان “دمشق حاضنتي”.. يقول: دمشق حبك في قلبي وفي كبدي يختال بين ماء حالم وغد فأنت قيثارة في اللحن إذ نضبت سيالة اللحن من ترنيمة الرغد عرفت فيك الهوى مازلت أذكره مازال يحرس إيماني ومعتقدي عرفت فيك ضحى الأيام مشرقة وصرت حبّاً لأم أصبحت سندي فأنت عشّي الذي مازلت أذكره وأنت مرضعتي للحب للأبد فلا تقولي جفا فالبعد سُكره مرّ المذاق فليت البعد لم يلد لولاك ما لون التاريخ في دمنا حبّ العروبة موروثاً إلى الولد.
وفي قصيدة تحت عنوان “خاطرة من الماضي” قال فيها: رأيت إدلب تهديني أغانيها لأنني كنت في تاريخ ماضيها وكنت سيف الهدى في كل بارقة تتيح للحب أن يسمو بمن فيها وذقت فيها الهوى حباً بما فعلت يمين مؤتمن يرعى لياليها،
وسنديانة قرية الشاعر حمام القراحلة لها تاريخ من الذكريات عند أجيال وأجيال، وما أن تذكر حتى تقفز إلى الذهن أروع المحطات.
اعتاد الشاعر أن يزورها كلما أتى دمشق، ولكنه العام الماضي لم يستطع ذلك، فكانت هذه القصيدة: إليك أبعث أشواقي وأعتذر ياتوءم الروح إن البعد ينحسرشوق تجذّر في الأعماق يحملني ردحاً من العمر حيث الدمع ينتشرأستاف حبك من بعدٍ بلا خجل فأنت أنشودة الماضي بمن حضروا فراقبي الدرب والأيام شاهدة فإنني قادم بالله ينتصر.
إنه الشعر الذي طالما قلنا إنه لم ولن يموت، ويحتاج إلى من يبعثه من جديد، ولكن بالموهبة والقدرة على أن يكون البحار في عوالم الحياة تتقد موهبة الشعر وتتفجر، كما عند الشاعر جميل حداد.
صدر الديوان عن دار البشائر في دمشق، وكما أسلفنا فيه ١٤٩ قصيدةً، قدم فيه شهادات وأراء نقدية فصلت هذه التجربة الإبداعية المتميزة.