الثورة – سعاد زاهر:
لا شكّ أن الدراما السورية في الموسم الرمضاني الحالي صدّرت مسلسلات مهمة، نالت حصتها في المتابعة والعرض، وبدت كنموذج مختلف من حيث تنوع مضمونها، وحتى الرؤية البصرية التي يصرّ عليها المخرج السوري، وباتت علامة تميزها.
ليس الشكل البصري أو سينوغرافيا المكان، وواقعيته فقط ما يميز الدراما السورية، بل اعتمادها على بطولات جماعية، وعلى وجوه شابة، في كثير من الأحيان تصبح في موسم جديد، أبطالاً يعتمد عليها في دراما أهم ما فيها استمراريتها في أصعب الظروف.
يمكن الحديث في الموسم الحالي عن ثلاثة مسلسلات باعتبارها من أهم النماذج التي تابعناها:
أولها مسلسل “تحت سابع أرض” للمخرج سامر البرقاوي، والكاتب عمر أبو سعدة، من بطولة تيم حسن، وكاريس بشار، ومنى واصف، وأنس طيارة، وتيسير إدريس، وجوان خضر، ورهام قصار. وقد حقق نجاحاً لافتاً، فقد تصدر قوائم الأعمال الأكثر مشاهدة على منصة “شاهد” في عدد من الدول العربية، واعتبر من بين أبرز الأعمال الرمضانية التي استقطبت الجمهور هذا العام.
المسلسل الثاني الذي حصد حضوراً مهماً على الفضائيات، مسلسل “البطل” للمخرج الليث حجو، مقتبس عن مسرحية “زيارة الملكة” للكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان، كتب السيناريو رامي كوسا بالاشتراك مع مخرج العمل، يشارك في البطولة محمود نصر، وبسام كوسا، ونورعلي، وهيما إسماعيل، ونانسي خوري.
المسلسل الثالث “نسمات أيلول” العمل من تأليف علي معن صالح، وإخراج رشا ويزن شربتجي، وتمثيل صباح الجزائري ومحمد حداقي، ونادين تحسين بيك، وغزوان الصفدي، وسوسن أبو عفار، ورنا جمول. وإذا اعتبرنا أن مسلسل “تحت سابع أرض” يندرج ضمن الإثارة والبوليسي، فإن مسلسل البطل يندرج ضمن دراما الواقع والعائلة، بينما نسمات أيلول كوميدي، خفيف.
تشترك المسلسلات الثلاثة في أنهم يعتمدون كتيمة أساسية قضايا العائلة، مع اختلاف نماذج العائلة من مسلسل إلى آخر، فهي في “تحت سابع أرض” تختار أن تعمل في تزوير العملة والاتجار بها، وحين يكتشف الأخ الأكبر الأمر، وهو ضابط يعمل في الأمن الجنائي يوضع في مواجهة مع قيمه ومبادئه، ولكن الوضع الاقتصادي للعائلة دفعت بالبطل الذي يؤدي دوره تيم الحسن نحو طريق الجريمة.
لعلّ اللافت في العمل أنه نتاج شراكة درامية للموسم الثالث بين الكاتب والبطل والمخرج وشركة الإنتاج وصنّاع الموسيقا التصويرية، ما أظهر تناغماً مهماً في العمل.
في مسلسل البطل، هنا تأخذ العائلة بعداً مختلفاً، حيث تحتمي ببعضها كي تتمكن من مواجهة كل هذه القسوة التي تخلّفها الحرب، وهي التي تبدو قسوة تهبّ عليها مع رياح القرية التي تأخذ من الريف متكئاً بعيداً يدرأ عنها الحرب.
بينما مسلسل “نسمات أيلول” تدور أحداث المسلسل في منطقة ريفية، لنعيش مع حكايات عائلة مكونة من جدّة وأبناء وأحفاد رغم روتين الحياة ومحدوديتها يحاولون خلق الضحكات، التي بدورها تنتقل إلينا عبر نص يدرك صانعه، مدى صعوبة أن نصنع الكوميديا ونضحك لها. إضافة إلى اللعب الدرامي عبر تيمة العائلة، نعيش في المسلسل على اللعب على إيقاع المشهدية البصرية، وسينوغرافيا المكان، التي تحتل دوراً محورياً، يعمق من الحالات الدرامية لتلك الأعمال.
من الواضح أن هذه النماذج التي أتينا بمضامينها كأمثلة عن درامانا السورية لهذا العام، قد نجحت في ترتيب أجواء تناسب التغيرات الاستثنائية التي نعيشها، وهو ما لاحظناه في العديد من ملامح تلك الأعمال وانجرارها لتأخذ من تحرير سوريا محاور درامية تتناغم مع مضمون العمل، وبدت تلك الانعطافة ضمن السياق الدرامي للعمل ككل، كما فعلت نهاية مسلسل البطل، حين يتم تحرير بطل العمل “بسام كوسا” من السجن، والانطلاق نحو قريته، التي هي بدورها تحاول أن تخلع رداء البؤس والمعاناة التي تلبسها دهراً.
مع هذه الانعطافة الدرامية التي عشناها في البطل، وفي نماذج أخرى.. يبدو أننا في ملامح مواسم درامية قادمة، سننعتق بشكل من الأشكال، لننبش في دراما تحكي عنا، تتلمس وجعنا، وواقعنا، لنعيش مع محاور درامية تأخذ من الواقع بقدر ما تشتهي بعيداً عن رقابة طمرت الكثير من الأفكار، وأعاقت الإبداع وجعلتنا ندور في دوائر لا تكتمل.