التراث.. وجه الحياة وتاريخ غدنا المتحضّر

 

الثورة – رنا بدري سلوم:

التراث.. تلك الروح التي تسكن خيوطاً نسجت حكايا البقاء، التراث صوت الأحرار في حناجر لغاتٍ رتّلتها نوتة الزّمن، التراث هو خطوة الواثقين المنعتقين من جاذبية الحزن متتبّعين الحياة وأهازيج الفرح ودبكاته، التراث هو حرفٌ ولغة وزيّ شعبيّ يأسرك بالحنين إلى أكفّ الجدّات وعاطفتهن الحانية، التراث هو مفتاح الدار والعودة إلى قطاف الزيتون بعد غياب طال انتظاره وحمل أمتعة الوقت في حقيبة الحالمين، التراث حنين الحجر والبشر.. التراث قدَر.
وكيف ننسى تراثنا السوري وهو انعكاس لصورة التاريخ وجغرافيّته وارتباط الأرض وشراع الإبحار نحو الحريّة؟، إن الوعي بالتراث وإحياءه يعني أن نبصر جذور غدنا المشرق، تلك التركة التراثيّة سواء الماديّة أم اللاماديّة التي ورثناها هي تركة ثقيلة الحمل ومسؤولية المحافظة عليها واجبنا الإنساني تجاه تاريخنا ووجه حضارتنا.
وقد رأى مؤرخو الحضارة المعاصرة عنها ومنهم رولان بروتون في كتابه «جغرافيا الحضارات» أن عالمنا المعاصر سبعة مدارات حضاريّة كبرى تتوسط الحضارة العربيّة الإسلاميّة الممّتدة من نهر الغانج إلى المحيط الأطلسي، وقد ملأت هذه الحضارة سمع الدنيا عدلاً وتقدّماً وملكت ناحية التّاريخ وكانت يدها اليد الطولى الأولى والأخيرة.
لقد نجح العرب في أكثر من مرحلة تاريخيّة بتجربة ومقاومة محاولات تدمير المقوّمات الذاتيّة الثقافيّة، لهويتهم، ولكن في كل مرّة كانت الثقافة العربيّة تعطي تلك الثقافة الغربيّة صبغة عربيّة فتقوم باستخلاص الثقافات وصهرها في بوتقتها الخاصة التي عملت على وضع الطابع العربي الخاص، فالثقافة “الهيلينيّة” تحوّلت في بلادنا إلى حضارة “هلنستيّة” والحضارة “الرومانيّة “تحولت لحضارة “بيزنطيّة” إضافة إلى محاولات الغزاة التتار والفرنجة والمغول ومشروع التتريك الذي كان هدفه ضرب الثقافة العربية واللغة العربية، وقد أفلوا جميعاً، وبقيت الثقافة العربية المحتفظة بعناصرها وتراثها وعالميّتها، فقوة الثقافة العربية في وحدتها وتنوعها.

التطبيع الثقافي

التطبيع، السلام، التآلف الحوار هي ألفاظ رقيقة وأنيقة استخدمها الكيان الصهيوني في ترويج فكره والوصول لهدفه ومبتغاه بكل سهولة ويسر، وهي ألفاظ يعجب بها من سمعها ويظن بها خير الظنون، لكنها ترتدي بداخل اللفظ ألف قناع، ويعمل صنّاع التطبيع على تحويل المزاج الرسمي والنفسي للشعوب العربية تجاه العدو الصهيوني من كيان غاصب وعدو جار على العرب إلى دولة جارة وصديقة يجب التعايش معها بمنطق الواقع والحقيقة، ويحضرني قول الشاعر أمل دنقل «لا تصالح لو منحوك الذهب.. أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى هي أشياء لا تشترى».. فعجباً.
والتطبيع في اللغة العربية يعني الامتلاء الكامل، ومن طبع الإناء أي ملأه بالكامل بلا إمكانية للزيادة عليه من شدة امتلائه، أما في المجاز فنجد معنى التطبيع قول العرب: تطبّع بطبعهم، أي تخلّق بأخلاقهم، أما اصطلاحياً يعني جعل ما هو غير طبيعي طبيعياً.
والتطبيع الثقافي هو القبول بالمفردات والمقاربة الصهيونيّة الإيديولوجية، وإعادة صياغة التاريخ، وإعادة صياغة المناهج التعليميّة، وشطب كل ما يشير إلى الاحتلال، وتغيير أسماء الأمكنة، والاستيلاء على التراث العربي، والعبث بالآثار في كل من الجولان وفلسطين وما يحيط بهما من محيط تاريخي وأثري في المشرق القديم، وسرقتها وتدميرها، وإخفاء كل الشواهد على الجرائم التي أدت لتهديم القرى والمدن والأحياء العربية وتغيير الخارطة التاريخية للوطن العربي.


وفي كتاب «التراث أصالة ومقاومة وبقاء» للباحثة الدكتورة نجلاء الخضراء ذكرت أن التطبيع الثقافي يستهدف المناهج المدرسيّة التي تخص الأجيال المعاصرة واللاحقة لتنسجم مع الاتفاقات السياسية التي كرست الاعتراف بالآخر، فبدأ الكيان بحذف شعار المناهج عن الكتب الفلسطينيّة، ثم حذف بعض النصوص والدروس والآيات القرآنية والشعر وكل ما تعتبره مواد تحريضية، لذلك لم يشمل تفسير سورة قريش وخاصة آية (إيلافهم رحلة الصيف والشتاء) مفهوم بلاد الشام على أنها فلسطين وسوريا والأردن، وكان للقصائد الشعريّة أيضاً نصيب من الحذف- وفقاً للباحثة الخضراء- مثل قصيدة للشاعر عبد الرحيم محمود:
«سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدا».

وجهان لعملة واحدة

الهوية حالة عقليّة وجدانية متطوّرة، تعبّر عن محصّلة انتماءات الإنسان التي تحدّد ارتباطه وولاءه لحضارته وثقافته، وبالتالي لأمّته وشعبه، فالمصادر الأساسية للهويّة هي القوميّة والعرق والجنس والطبقة، ورغم أن الهويّة تنسب إلى الأفراد، إلا أنّها ترتبط بالمجموعات الاجتماعية التي ينتسب لها الأفراد ويصنّفون على ضوئها واعتباراتها.

وهنا تكمن ماهية العلاقة بين الهوية والثقافة، فالثقافة كل ما أنتجه الإنسان من فكر وعلم وفن وأدب ونظم وعادات وقيم ومثل.
والثقافة نوعان، رسمية وشعبية، الأولى ترعاها المؤسسات في الدولة والمجتمع.
أما الشعبيّة، فهي تنتقل بين الأفراد والأجيال بشكل عفوي عن طريق المشافهة والتقّليد والملاحظة، وتعبّر عن عواطف وحاجات الشعب، وليس النخبة، وتنتقل هذه الثقافة من خلال رموز التراث الشّعبي الماديّة الملموسة مثل الملابس الشعبيّة والأكلات الشعبية.

رؤية.. لنحافظ عليه

لم يكن سهلاً تحقيق ما يطلب تجاه التراث وحمايته وإحيائه، وخاصة أنه يحتاج إلى دراسات وتخطيط وإعداد طواقم إداريّة وفنيّة، وأهم من ذلك كله تخصيص ميزانيّة، إضافة إلى التشبيك مع كل الوزارات، ومنها دور وزارة التربية في المحافظة على التراث من خلال تدريسه في المناهج وتيسير رحلات طلابيّة للتعرف على الأماكن التراثيّة، وإجراء المسابقات والأبحاث والدراسات حول التراث وتشجيع الطلبة وخاصة الجامعيين لإجراء الأبحاث العلمية على العناصر المتاحة للتراث الشعبي ماديّة كانت أو لا مادية، والكشف عن أصوله التاريخيّة، والعمل على حفظه وصيانته ومحاولة تطويره ونشره بين العامة للتأكيد على الحقوق، وهنا أيضاً يأتي دور الكلمة في إحياء الشعر والقصة والأغنية الشعبية والدبكات والزي الشعبي ولوحات تصويرية شعبية عن طريق تفعيل المسرحيّات والأفلام والندوات الشعرية والمسابقات، والمهرجانات الدولية والعالمية.

آخر الأخبار
صحة حلب تتابع سير حملة لقاح الأطفال في منبج هل سيضع فوز الليبراليين في انتخابات كندا حداً لتهديدات ترامب؟  بمبادرات أهلية تركيب 60 جهاز إنارة لشوارع دير الزور غرق عبارتين تحملان شاحنات بنهر الفرات الثورة" على محيط جرمانا.. هدوء عام واتصالات تجري لإعادة الأمن العفو الدولية": إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية في غزة ويجب محاسبتها   العراق تدعو لتسوية تضمن وحدة سوريا واستقراها 90 ألف غرسة مثمرة والخطة لإنتاج 69 ألف غرسة أخرى في القنيطرة ثانوية جديدة للعلوم الشرعية في طفس تعاون هولندي ومشاريع قادمة لمياه حلب بحث احتياجات حلب الخدمية مع منظمة UNOPS   المخابز تباشر عملها في درعا بعد وصول الطحين خليل لـ "الثورة": ندرس إعادة التأمين الصحي والمفصولين إلى عملهم لجنة لدراسة إعادة المفصولين من عملهم في شركة كهرباء اللاذقية   سرقة طحين ونقص بوزن الخبز أكثر ضبوط ريف دمشق وطرطوس الارتقاء بالتعليم في جبلة نقاش في تربية اللاذقية مياه الشرب" طاقة شمسية وأعمال صيانة وتأهيل للخدمات في الريف  52 ألفاً حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة منذ بدء العدوان حملة لقاح الأطفال في درعا مستمرة درعا.. مصادرة أسلحة وأكبال مسروقة في اللجاة