الثورة – سومر الحنيش:
يترقب “أكرم” بأمل خبر توطين الراتب في ماكينات الصراف الآلي حتى ينطلق إلى أقرب جهاز صراف لتنغص عليه فرحته رسالة تقول “الجهاز خارج الخدمة”.وهذا ما يضطره إلى الذهاب إلى المركز الرئيسي في “ساحة المحافظة”، حيث يبدأ سباقاً مع الزمن، آملاً أن لا تنفد النقود في الصراف الآلي، وأن يسعفه الوقت قبل أن ينقطع التيار الكهربائي.
ويشير إلى أن زوجته تدعو له كل شهر قبل نزوله لاستلام راتبه قائلةً: “يا رب تقبض اليوم”.هي معاناة يومية.. يقف المواطنون ساعات طويلة، فمع حلول كل شهر، يتجدد الكابوس: ازدحام غير مسبوق، أعطال تقنية، ونفاد سريع للسيولة، ليصبح الحصول على الراتب مهمة شبه مستحيلة تستهلك الوقت والجهد والصحة.
طوابير بلا نهاية “أتركني بهمي” يقول “أبو بهاء” ٧٠ عاماً، وهو يقف قرابة ٤ ساعات لسحب راتبه التقاعدي الذي لا يتجاوز ٢٥٠ ألف ليرة.. ويقول: “أمس وبعد وقوفي ثلاثة ساعات تعطل الصراف الذي كنت منتظراً عنده، حاولت الدخول في أحد الطوابير، ولكن من دون جدوى، فلم يقبل أحد أن أقف إلا في آخر الصف”.
من جهتها، أكدت “دنيا”- موظفة حكومية، أنها تنفق الأموال التي تتمكن من سحبها، لدفع أجرة الطريق.. وأردفت قائلة: “الأوضاع صعبة ونحن بحاجة لقبض رواتبنا بأسرع وقت ممكن، وليس مقبولاً أن ننتظر أياماً كي نسحب مبالغ زهيدة لا تكفي، ومن الأفضل العودة إلى نظام القبض اليدوي من محاسب المديرية”.
التسجيل ٧صباحاً
قرر أحدهم محاربة الفوضى بطريقة تثير الدهشة عبر تسجيل أسماء صاحبي البطاقات بدءاً من السابعة صباحاً!، تسجل اسمك في قائمة لا تتسع إلا لـ80 اسماً، وكأنك في سباق ماراتون للحصول على راتبك! وبعد أن تكمل مهمة “التسجيل البطولي”، تعود إلى بيتك، وبعد ساعتين ونصف، تنضم إلى الطابور وتنتظر سماع اسمك كي يأتي دورك لقبض راتبك.
الفكرة ستجنب الكثير من المشكلات، لكنها بكل تأكيد ستضيف إليك مشكلة الاستيقاظ باكراً، ومتعة الانتظار مرتين.
تحولت عشرات الصرافات الآلية إلى مجرد هياكل حديدية صدئة، تشهد على أزمة مزمنة، فبعضها تحول إلى صناديق قمامة متراكمة، والبعض الآخر أصبح منصة لعرض البضائع من قبل باعة متجولين، كما هو حال الصرافات الموجودة عند كلية الحقوق في دمشق.في خضم هذه المعاناة، يبرز سليمان كأحد الذين وجدوا في هذه الأزمة مصدر رزق مؤقت، فيقول: “أجمع بطاقات مصرفية لمواطنين يثقون بي، وأذهب أنا وعائلتي لسحب رواتبهم مقابل 25 ألف ليرة عن كل بطاقة، هذا المبلغ البسيط يساعدنا على شراء بعض الحاجيات”.
الحلول المقترحة إصلاح الصرافات المعطلة وتوزيعها جغرافياً، خاصة في المناطق النائية، ووضع صرافات آلية جديدة في الخدمة وتغذيتها باستمرار، وفصل مواعيد صرف الرواتب بين الموظفين، والمتقاعدين، والعسكريين، والتحول تدريجياً إلى الدفع الإلكتروني.
المواطنون اليوم لا ينتظرون رواتبهم فقط، بل ينتظرون حلولاً تعيد إليهم راحة البال في طوابير لا تحترم فيها الأعمار ولا الأمراض، ولسان حال السوريين اليوم يقول “يا زمان الوصل عند المعتمد”.