فراس علاوي – كاتب وصحفي سوري:
في خطوة مفاجئة وهامة ومفصلية تعكس تحوّلاً استراتيجياً في السياسة الأميركية اتجاه سوريا والتي طالما اتسمت بالتقلب والعدائية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وخلال زيارته التاريخية إلى المملكة العربية السعودية، رفع العقوبات المفروضة على سوريا والتي استمرت لعقود، مشيراً إلى أن القرار جاء استجابةً لطلب ودعم خليجي وتركي واسع، ومطالبات متصاعدة من قادة المنطقة بضرورة إعادة دمج سوريا في النظام العربي والإقليمي والدولي. هذا القرار الذي بدا للبعض مفاجئاً، لم يكن سوى ترجمة لرؤية ترمب في تحقيق “الاستقرار الذكي”، الذي يُبنى على أنقاض أنظمة الفشل لا على التسويات الشكلية.
لقد كانت العقوبات الأميركية، المفروضة على نظام الأسد منذ العام 1974 نتيجة السياسات الفاشلة والتدخل المباشر في شؤون الدول المجاورة والتي ازدادت تدريجياً، لتصل إلى ذروتها في ما يعرف بقانون ( قيصر) والذي جاء نتيجة مباشرة لسياسات نظام بشار الأسد القمعية، وجرائمه الممنهجة بحق الشعب السوري، إضافة إلى رهنه مقدرات البلاد لقوى أجنبية كإيران وروسيا. ومع تصاعد وتيرة الانهيار الداخلي للنظام، وتساقط شرعيته سياسياً وعسكرياً، بات من الواضح أن نهاية الأسد ليست سوى مسألة وقت وهو ما حدث فعلاً.
الأمر الذي أحدث زلزالاً جيوسياسياً في المنطقة استطاعت القوى الإقليمية لاسيما المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والاردن الاستفادة منه لمحاولة بناء محور داعم لسياساتها الجديدة ومحاولة ملء الفراغ الناتج عن الهزيمة الإيرانية وتفكك المشروع الإيراني في المنطقة. حيث دعمت هذه الدول الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
ما يريده ترمب، وفق ما أعلنه في الرياض، ليس فقط طي صفحة نظام تَسبَّب في مأساة كبرى وأعاد سوريا عقوداً إلى الوراء، بل فتح صفحة جديدة تُبنى على معادلة بسيطة:
سوريا مستقرة = شرق أوسط مستقر.
فمن وجهة نظر إدارته، لا يمكن بناء شرق أوسط حديث ومنتج دون دولة سورية متعافية، موحدة، ومتصالحة مع شعبها وجوارها.
الدعم الخليجي والتركي لهذا التوجه لم يكن مجرد موقف سياسي، بل استثمار استراتيجي في مستقبل المنطقة. الدول الخليجية، التي أرهقتها سنوات من الحروب والاضطرابات، وجدت في لحظة سقوط النظام فرصة لإعادة تشكيل الإقليم على أسس من التعاون الاقتصادي والاندماج السياسي. أما تركيا، التي تحملت العبء الأكبر من تداعيات النزاع السوري، فرأت في هذا التحوّل بوابة لإغلاق جراح أمنية واقتصادية ظلت تنزف لعقد ونيف.
ترمب، الذي لطالما نظر إلى الشرق الأوسط من زاوية المصالح الأميركية الاقتصادية أولاً، يدرك أن استقرار المنطقة لا يمكن أن يتحقق في ظل فراغ سياسي في سوريا أو عبر صفقات مع أنظمة ساقطة. إنه يرى أن بناء شرق أوسط جديد يبدأ من دمشق، من إعادة إعمار دولة تمزقت، ومن خلق نموذج جديد للحكم قائم على الشفافية، والانفتاح، والاستقلال عن المحاور الدولية المُخربة.
إننا أمام لحظة استثنائية، سقوط نظام الأسد لم يعد مجرد حلم للمنكوبين، بل واقع تُبنى عليه سياسات جديدة. رفع العقوبات يعتبر تمهيداً لمرحلة ما بعد نظام الأسد وبدء الجمهورية الثالثة في سوريا؛ وتمهيداً لعودة سوريا إلى الحضن العربي والإقليمي، لكن هذه المرة بشروط شعبها، لا بوصاية أجهزتها الأمنية أو ميليشيات أجنبية.
إنه فجر جديد، تختصره العبارة: سوريا جديدة… شرق أوسط جديد.
رؤية ترمب لا تخلو من البراغماتية، لكنها تضع حجر الأساس لمرحلة نادرة من التوازن، حيث تتقاطع مصالح الشعوب مع سياسات الدول، وحيث يمكن للمنطقة أخيراً أن تتنفس بعيداً عن رماد الحروب والأنظمة المهترئة.