الثورة- منذر عيد :
ربما يقف الشخص السوري العادي، أو حتى المتابع للشأن السياسي في حالة من الإرباك حيال قراءة المتغيرات السريعة والدراماتيكية في علاقات دمشق مع الكثير من الدول الإقليمية والدولية، إلى حد وصوله مرحلة العجز في التحليل واستشراف المستقبل، بل إن الكثير والكثير من الأسئلة باتت تنخر تفكيره، ليقف أمام تطورات المواقف والأحداث مؤخراً بمواجهة سؤال كان مجرد طرحه بين الشخص وذاته قبل حين ضرباً من الجنون.
هل يتم التوقيع على اتفاق تطبيع بين سوريا وإسرائيل، أم يكون مجرد اتفاق سلام، يعمل على ضبط الحدود، وينسق التعاون الأمني، وعلى أي أساس سيكون ذلك، على مبدأ الأرض مقابل السلام، ووفق وديعة رابين، أم السلام مقابل السلام، وهل فعلاً إسرائيل جادة في مشهدية رفعها غصن الزيتون على الحدود مع سوريا؟.
بداية يمكن القول: إن تطورات العلاقات السورية- الأميركية، وانفتاح واشنطن على دمشق بشكل إيجابي ومتسارع، كان له انعكاساته الكبيرة والواضحة على علاقات العديد من الدول العربية والأوروبية وغيرها مع سوريا، وفي هذا السياق لم يكن قادة إسرائيل في منأى عن ارتدادات تلك التطورات السياسية، لتدفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إبلاغ المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك بأنه مهتم بالتفاوض مع الحكومة السورية بوساطة الولايات المتحدة الأميركية، بحسبما نقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين، وذلك بهدف التوصل إلى مجموعة من الاتفاقيات، بدءاً باتفاقية أمنية محدثة تستند إلى اتفاقية فك الارتباط بين القوات لعام 1974، مع بعض التعديلات، وانتهاء باتفاقية سلام بين البلدين.
الحديث عن المفاوضات لم يكن وليد ما تحدث عنه نتنياهو، بل إن السيد الرئيس أحمد الشرع قال خلال لقائه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في أيار الماضي في باريس، إن هناك مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء لـ”تهدئة الأوضاع وعدم خروجها عن السيطرة”.
كما سبق أن أكد وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، خلال خطابه أمام مجلس الأمن الدولي، أواخر نيسان الماضي، أن “سوريا الجديدة لن تكون مصدراً لعدم الاستقرار لأي طرف في المنطقة، ومن ضمن ذلك إسرائيل”، مشيراً إلى أن “الاعتداءات العسكرية المتكررة على الأراضي السورية تشكل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي”.
وتسارعت التطورات في هذا السياق مع ما كشفت عنه وكالة “رويترز” في 27 أيار نقلاً عن مصدرين سوريين ومصدرين غربيين، إضافة إلى مصدر استخباري إقليمي مطلع، عن أن إسرائيل وسوريا عقدتا خلال الأسابيع الأخيرة اجتماعات وجهاً لوجه تهدف إلى تهدئة التوترات وخفض التصعيد، ومنع نشوب صراع في المنطقة الحدودية بين الجانبين.
دعم أميركي
الدفع الأميركي باتجاه تحقيق اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، يبدو جلياً عبر سلسلة من التصريحات لمسؤولين أميركيين أو مقربين من الإدارة الأميركية، لتكون أولى الخطوات دعوة الرئيس دونالد ترامب الرئيس الشرع خلال لقائهما في الرياض منتصف الشهر الماضي إلى الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، وليؤكد في النهج ذاته القس جوني مور، الذي كان مستشاراً للبيت الأبيض خلال ولاية ترامب الأولى 2016-2020، عقب لقائه الرئيس الشرع قبل أيام برفقة الحاخام أبراهام كوبر من مركز سيمون فيزنتال اليهودي المعني بحقوق الإنسان، منذ سنوات للحوار بين الأديان في الدول العربية “أن السلام ممكن جداً”، بحسب ما ذكرت وكالة “رويترز”.
وعلى ذات الطريق دعا المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك بعيد وصوله إلى دمشق نهاية الشهر الماضي إلى حوار بين سوريا وإسرائيل، على أن يبدأ ذلك باتفاق “عدم اعتداء” بين الطرفين.
وديعة رابين
حتى الآن ما زال الحديث عن مفاوضات سورية- إسرائيلية، في سياق التصريحات الإعلامية والحديث بالعموميات، دون الدخول في المبادئ والقواعد.. لكن وطوال الحديث سابقاً عن سلام بين سوريا وإسرائيل، فقد شكلت ما سميت بوديعة رابين (رئيس الوزراء الأسبق اسحق رابين ) أرضية وأساساً لأي سلام بين الطرفين، حيث تضمنت “الوديعة” عام 1993 التي حملها وزير الخارجية الأميركي آنذاك وارن كريستوفر إلى دمشق، موافقة رابين على الانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967، مقابل علاقات ثنائية ودبلوماسية كاملة وضمانات أمنية لإسرائيل، وذلك عقب انعقاد مؤتمر دولي للسلام بين العرب وإسرائيل في العاصمة الإسبانية مدريد في الفترة من 30 تشرين الأول وحتى 1 تشرين الثاني عام 1991، ورعته الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق سعياً لإقامة سلام دائم بين الدول العربية وإسرائيل.
من نافلة القول :إن أي طلب سوري إزاء المضي في الاتفاق يعد أمراً طبيعياً، للوصول إلى إعادة الأراضي السورية المحتلة، والحفاظ على سيادتها واحترام الحدود وعدم الاعتداء، لتوفيرالأمن والاستقرار مع دول الجوار، بما يمكنها من الالتفات إلى الشأن الداخلي وإعادة الإعمار وبناء دولة مزدهرة متطورة.