الثورة – إيمان زرزور :
فرضت ظروف الحرب المريرة التي عاناها الشعب السوري منذ 2011 واقعاً جديداً على طلاب العلم في جميع المراحل التعليمية، إذ كانت المدارس والطلاب هدفاً رئيسياً لقصف النظام البائد، علاوة عن ظروف النزوح المتكرر والخوف الدائم من الاعتقال وضياع الأمن وغياب الخدمات، كل ذلك أثر على حياتهم التعليمية، وحرمهم من أبسط حقوقهم، ليولد جيل غير متعلم لسنوات.
كان تلقي العلم في المدارس أو حتى التعليم الخاص مشكلة جوهرية لدى السوريين، فعزف الكثير منهم عن الذهاب للمدراس، وبدأ التوجه إلى الهجرة لفئة الشباب، في حين توجه الأطفال للعمل وإعالة أسرهم لاسيما بعد تغير مناطق إقامتهم ونزوحهم لمرات متكررة، فباتت المدارس بعيدة عنهم وبات تلقي العلم أمراً مستحيلاً.
في السنوات الأخيرة وبعد التحولات العالمية، لا سيما بعد جائحة “كوفيد-19″، خلقت الظروف واقعاً جديداً في أنظمة التعليم، حيث لم يعد التعليم عن بُعد خياراً تكميلياً، بل غدا بديلاً ضرورياً لضمان استمرارية التعلم، وفي سوريا، حيث دمّرت الحرب البنية التعليمية التقليدية وأغلقت آلاف المدارس، برز التعليم الإلكتروني كوسيلة إنقاذ حيوية، مكّن آلاف الطلاب من مواصلة الدراسة في ظل النزوح، والدمار، وانعدام الأمن.
ساهم التعليم عن بُعد في سدّ فجوة تعليمية هائلة تركتها الحرب، فأتاح للطلاب في المناطق المنكوبة فرصة الاستمرار في الدراسة، دون الحاجة إلى التنقل في بيئة غير آمنة، أو تحمّل تكاليف إضافية تتعلق بالمواصلات والكتب.
كما فتح الإنترنت أمام الطلاب السوريين نوافذ واسعة على المعرفة، حيث أصبح بإمكانهم الوصول إلى دورات ومحاضرات تقدّمها جامعات دولية مرموقة، وهو ما مثّل فرصة غير مسبوقة للتعلّم والانفتاح الأكاديمي، رغم محدودية الموارد.
وأتاح التعليم الرقمي مرونة كبيرة في جدولة الدراسة، وهو ما استفاد منه خصوصاً الطلاب الذين يعملون إلى جانب دراستهم، كما أسهم في تعزيز المهارات التكنولوجية لدى الشباب السوري، وهي مهارات باتت ضرورية في سوق العمل الحديث.
ورغم هذه المكاسب، اصطدم التعليم الإلكتروني في سوريا بجملة من التحديات، أبرزها ضعف البنية التحتية التقنية، إذ تعاني العديد من المناطق من بطء الإنترنت وانقطاع الكهرباء المتكرر، مما يعيق دخول الطلاب إلى المنصات التعليمية وانتظامهم في الحصص الافتراضية. كما أن العديد من الأسر السورية لا تمتلك أجهزة حاسوب أو أجهزة لوحية، ما يدفع الطلاب للاعتماد على الهواتف المحمولة ذات القدرات المحدودة، كما تتسع الفجوة الرقمية بين المناطق الريفية والحضرية، ما يخلق تباينات كبيرة في فرص الوصول إلى التعليم الرقمي.
وواجهت الكوادر التعليمية تحديات تتعلق بنقص التدريب على أدوات التعليم الإلكتروني، مما ينعكس على جودة المادة المقدمة للطلاب، إلى جانب فقدان التفاعل الحي بين الطلاب والمعلمين، وهو عنصر جوهري في تنمية المهارات الاجتماعية والتربوية.
وتُعد اختبارات التعليم عن بُعد من أكثر الجوانب المثيرة للقلق، حيث يصعب ضمان نزاهتها وشفافيتها، ما يُضعف الثقة في نتائجها ويهدد بمصداقية الشهادات التي يحصل عليها الطلاب، ويتطلب تطوير التعليم الإلكتروني في سوريا جملة من الإجراءات العاجلة، تبدأ بتحسين البنية التحتية الرقمية، وتوفير الأجهزة للطلاب من خلال برامج دعم وتمويل، إلى جانب تدريب المعلمين على استخدام التكنولوجيا التعليمية بفعالية، وتصميم منصات محلية تراعي خصوصية البيئة السورية.
ويبقى التعليم عن بُعد خياراً مؤقتاً لا غنى عنه في المرحلة الراهنة، وركيزة من ركائز إعادة بناء المجتمع السوري بعد الحرب، وإذا ما جرى استثماره بالشكل الصحيح، فسيشكل فرصة لإعادة صياغة المنظومة التعليمية بأساليب أكثر مرونة وشمولاً، تحقق التعلّم للجميع، وتدعم الانتقال إلى مستقبل أكثر استقراراً وإنصافاً.