الثورة -رانيا حكمت صقر:
مشروع نخبوي فكري ثقافي وفني، أبصر النور العام الماضي على أيدي كاتب القصائد المغناة ” الدكتور ناجي أبو رافع” والمؤلف الموسيقي “مصطفى مليّس”.
يجابه المشروع بنخبويته المخلفات الفنية الرديئة، ليكون بتمويله الشخصي بمثابة إبرة حقيقية معبّرة في كومة قش المادة الفنية الرديئة بكلِ أشكالها الدارجة في عصرنا هذا، وفقاً لما ذكره مليس في لقائه مع صحيفة “الثورة” بيوم الموسيقا ٢١حزيران.
الاسم الرمزي “ديموزي” في هذا السياق لم يكن عبثاً ولا حتى إعجاباً في الشخصية الأسطورية الرمزية للإله “دمّوزي” أو حبّاً في الاسم، إنما من الفكرة الرمزية التي يمثلها “ديموزي”، اختيار اسم “ديموزي” للمشروع يبدو ذو مغزى رمزي وفلسفي بالنسبة للمحتوى والرسالة التي يحملها المشروع حيث يسعى إلى استحضار فلسفة وقصة الإله “ديموزي” من خلال رمزية الموت والحياة وتجدد الفن.
بدأ العمل مع القصيدة الصوفية “لكلٍ منا موسيقاهُ” التي أداها الباريتون علي حسون لحّنت القصيدة في مقام الحجاز مع بعض التحويلات في مقام البيات والنهوند، وكانت لفرقة موسيقية صغيرة، تناولت عاشقين، لكل منهما عالمه الخاص وتعبيره الخاص (موسيقاه)، العاشق يشبه نفسه بالريح رمزاً للحرية والحركة، بينما الآخر هو البحر الغارق في الحب، رمزا للعمق والهوى، يجتمعان بين “الملح” (صعوبة الحياة) و”الهوى” (الحب)، حتى تضيع الكلمات أمام قوة مشاعرهما. الشاعر يتساءل عن قسوة الحب، ويُحذر الحبيبة أن منع العاشق من التعبير يُعد قتلًا لروحه، وهو أمر محرّم في عرف الآلهة والمحبين.
أما القصيدة الثانية فكانت “أسيرةُ الضوءِ” التي أدتها السوبرانو جولي موسى، أيضاً كانت في مقام الحجاز مع تحويلات عديدة في المنتصف، وكانت لفرقة موسيقية أكبر، القصيدة تصور صراع الشاعر الداخلي بين حلمه الجميل (الفراشة/الأغنية) وبين واقع قاسٍ (العتمة، النار، الذئاب، الأمواج). هناك ضياع، وحدة، عجز عن التعبير، وصورة وجودية لشخص تائه بين الأمل والألم، بين الرغبة في الحياة والخضوع لمصير غامض.
ومن ثم القصيدة الثالثة “أعبر الضوءَ عَبَثاً” التي أداها المؤلف الموسيقي والتينور بيرج قسيس، لحنت لفرقة لأوركسترا كبيرة مع تركيز كبير على آلة البيانو، وتنويعات مقامية ولامقامية عديدة في مادتها الموسيقية، تصور القصيدة فانتازياً عن حالة عشق إلهي تجمع عاشقٍ بصوفية استثنائية، متقدة الذكاء، خارجة عن النسق، إلا أن العشق كان محرماً، لهذا كان على العاشقة الصوفية أن تهجر مكانها وعاشقها وتذهب بعيداً لتكمل حياتها بشكلٍ طبيعي.
يذكر أن الموسيقي مصطفى مليّس مؤلف موسيقي وعازف كمان، ولد عام 1996 في محافظة حلب، علّمه والده التعاليم الأولى في الموسيقا في سن مبكرة، عام 2006 بدأ بدراسة الكمان في المعهد العربي (صباح فخري) على يد فادي إسكندر ومن ثم ماريا رادوفيتش، شجّعه وأنيس مبيّض على إكمال رحلة التأليف الموسيقي، ومن ثم تابع تعليمه مع المؤلف الموسيقي بيرج قسيس، التحق عام 2019 بالمعهد العالي للموسيقا بدمشق، وما يزال يتابع تأليفه الموسيقي حتى اليوم.
أما الدكتور ناجي أبو رافع هو طبيب أسنان من مواليد 1986 حاصبيا/لبنان، متخصّص في تقويم الأسنان، تخرّج من جامعة دمشق بشهادة الماجستير في التقويم، وقام بمعادلتها في لبنان وفق المعايير المعتمدة.
يتميّز بشغفه العميق بالأدب والفكر، كتب بأسلوب فلسفي رمزي مستلهماً من التجارب الإنسانية أبعاداً تأملية تتجاوز السطح إلى الجوهر، تؤمن نظرته بأن الثقافة والموسيقا ليستا ترفاً، بل حاجة جوهرية لأي مشروع نهوض اجتماعي حقيقي، ما يجعله طبيباً مثقفاً يرى في الجمال والفكر أدوات فعّالة لبناء إنسان متوازن ومجتمع أكثر وعياً وتماسكا أن مصطفى مليس وناجي أبو رافع يشكلان فريقاً قوياً وموهوباً يعملان بتناغم لإنتاج محتوى موسيقي وفني عالي الجودة والفلسفة، نتطلع إلى مزيد من الإنجازات والأعمال الإبداعية .