من جنون الواقع لمدارات الخيال الروائية مهنا لـ”الثورة”: ننتزع بالكتابة شظايا ذكريات الحرب

الثورة – رانيا حكمت صقر:

جسدت رحلة الروائية السورية إيناس مهنا، من خلال كتاباتها تجربة الحرب وأبعادها الإنسانية بصدق وعمق، بداية شغفها بالقراءة كملجأ للهروب من فوضى الحرب وتحولها إلى شغف الكتابة، وكيف أن تجربتها الأولى في عالم “الفانتازيا” كانت نقطة انطلاق قبل أن تتجه نحو مواجهة الواقع السوري بكل ما فيه من ألم ومعاناة.

كلها نقاط تعكس قوة الإرادة وروح الإبداع، تسرد إيناس مهنا تجربتها الأدبية في حديثها لـ”الثورة” كيف حفرت اسمها بين الأقلام الأدبيّة الصاعدة؟.

تقول: “قبل أن أدخل عالم الكتابة بكل ما فيه من جمال وتحدٍ، كنت أختبئ خلف الكتب والقراءة، كمن يبحث عن ممرٍ سريّ للنجاة من فواجع الحرب، أتممت السبعة عشرعاماً مع بداية الثورة، وكانت القراءة مهربي الأوّل من فوضى الواقع وما حصل على مدار سنوات، القراءة كانت نافذتي الأولى، تلك البوابة السحريّة التي عبرت بها من جنون الحرب إلى اتساع الخيال.

حتى في ظل انقطاع الكهرباء الدائم كانت القراءة هي السبيل الوحيد لتمضية الوقت.. بدأتها كتسلية، وسرعان ما وجدت أنني عشقت هذا النوع من التسلية! قرأت كثيراً.. مئات الكتب وبمختلف المواضيع حتى شعرت بامتلاء روحي يهمس بداخلي بأنه حان الوقت لتجربة شيءٍ آخر.

ترتيب فوضى الأفكار

في ذلك الوقت لم أملك شغف الكتابة، ولم تكن لدي أي محاولات سابقاً، لم أكتب أي خاطرة أو قصة طيلة حياتي، وفجأةً رأيت أنني قد أمسكت القلم لأعيد ترتيب فوضى الأفكار والمشاعر التي صارت تتخبط في داخلي بشكلٍ غير مفهوم، وبدأت بكتابة الرواية الأولى، كبداية جربت أن أكتب في الفانتازيا لأنني كنت متأثرة بتلك النوعية من الأعمال، فكتبت رواية (لعنة حواء) عام 2017 تلك الرواية التي بدأت كحلم غريب راودني ذات ليلة، دونته لدهشة تفاصيله، ويوماً بعد آخر، جملة وراء جملة، تكونت الشخصيات والأحداث لتصبح رواية كاملة، نشرتها بشكل إلكتروني وقد لاقت تفاعلاً من القراء، وهذا ما شجعني لأستمر فكررت التجربة برواية (بين عالمين).

لكنني بعدها رأيت أنني لا أريد الهروب من الواقع كما كنتُ أفعلُ في القراءة.. بل مواجهته، فما كتبه السوريون بدمهم على مدار سنوات لا يُمكن أن يُطوى في تقارير الأخبار فقط، بل نحن بحاجة إلى أدب لا يخجل من توثيق الأحداث بأسلوبٍ أدبي يخاطب النفس البشرية، نحن نحاول عن طريق الكتابة أن ننتزع شظايا الذكريات المتناثرة خاصة وقت الحرب، لإعادة ترتيبها بأسلوبٍ أدبي مناسب، يوثق ما جرى بتفاصيله، نحاول عبر الكلمات أن نعيد تشكيل الماضي بصيغة حروف لنخلّده على ورق، لنروضه، ونخفف من حدته، لنمنحه شكلاً يمكننا احتماله حين ننظر إليه كقصةٍ نكتبها، وما جرى لنا على مدار أربعة عشر عاماً يستحق أن يُروى وأن يعرفه العالم.

“رهينة الواقع العاجز”، عملي الأدبي الأول في النشر الورقي والأحب إلى قلبي، جاء كصرخة تمرد على كل ما تتركه فينا الحرب من ندوب، تتوغّل في أعماق النفس البشرية، لتكشف أن التشوّه الحقيقي لا يسكن الجسد فقط، بل يلتهم الروح حين تُخذل.

تدور القصة حول فتاة جامعية تغيّرت حياتها بعد أن أصابت قذيفة منزلها في ظل الحرب السورية.. فتشوهت جسدياً، وتشوهت رؤيتها للعالم.

اقتباس منها.. (الزمن أضحى بلا معنى، تداولني بين يديه كأوراقٍ ممزقة، وكأنه ينثرني في متاهات اللاّ زمن، واللّا حياة، قالوا تمسكي بالأمل، لكن الأمل تم انتزاعه من أحشائي، كجنين أجهضته في ردهة الوجود، تقيأته، وبقيتُ مجرد ظلٍ بلا جسد، من المؤسف أن تكون للمرء ذكريات بشعة تثبت في الذاكرة كشاهدٍ على لحظةٍ لا يمكن تجاوزها، ثم تتساقط ذكرياته التي سبقتها، كطيفٍ يذوب في ظلال الحقيقة المشتعلة ورائحة الزمان المحترق.. تتلاشى الصور والأصوات لأناسٍ كانوا في لحظةٍ ما ثم اختفوا، ويبقى الألم ينخر في الجسد كالصدأ على الحديد).

في رواية “جرحٌ بملامح إنسان” تتشكل ملامح البطل كمرآة مشروخة تعكس صراع الذات، الرواية تغوص في عمق التجربة النفسية لفنان تشكيلي ونحات، يعاني من اضطراب ثنائي القطب، تصف حياته بما تحويها من تقلبات مزاجية حادة، وتأثيرها على نفسه، وعلى من حوله.

اقتباس.. (هناك نوعٌ خاصٌ من الألم، ألمٌ ذو نكهةٍ مُرةَ حينما تكون وحيداً، مذعوراً، تفكر بالانتحار بين لحظةٍ ولحظة، لكنك أجبن من أن تفعلها، وأجبنُ من أن تواجه الحياة من جديد.. عالقٌ بين الحياة والموت.. كالبرزخ، عالقٌ بين الجنون والكآبة والابتهاج اللا منطقي! تستعر نيرانك لتحرق نفسك وكل ما حولك، بعد أن تستعر كل رغباتك الإنسانية وتنطفئ، تستعر روحك وتنطفئ.. ومع عذابك الداخلي عذابٌ خارجيٌ أقوى وأعنف!! ).

“حُطام” عمل أدبي يعكس واقعاً مؤلماً في ظل الأحداث المأساوية في فترة الحرب بسوريا، وتصف مشاهد الدمار والاعتقال والتعذيب والتهجير التي عاشها السوريون خلال تلك الفترة.

اقتباس.. (بالنسبةِ لأي مُعتقل، المعتقلات هي جهنم، نارٌ تحرقُ النفسَ والجسد، السجين يذوقُ الموت في كلِ يومٍ عشرات المرات بينه وبين الآدمية قضبان صدئة، باردة، وإسمنتٌ يعزل معاناته وانتهاكاته عن الخارج.. هناك في الظلام كانت تتولدُ أشنعُ الحكايات، الأحلامُ تُداسُ بالأقدام والخيالُ يرتطمُ بالحقائق .. الموسيقا الوحيدة كانت السوط والصرخات المنبعثة من أفواه المعذبين.. على الأرضِ يتعاقبُ الليلُ والنهار وعندنا تتعاقبُ الليالي وتتباهى في أشدها اسوداداً ورُعباً، أوجاعنا كانت ككراتِ الصوف، خيوطٌ متشابكةٌ من الألمِ تُحاكُ على أجسادنا وكلما ظنَّنا بأننا وصلنا للنهاية تظهرُ لنا كرةُ صوفٍ أخرى لتكمل المسير وتئد الأمل الذي يتولدُ من العدم بأننا سننجو، النجاةُ كانت قد هربت خوفاً.. والخوفُ قد اختبَأ خلف الجدار خائفاً من صرخاتنا!)

” زهرة الأزاليا” ما بين شانغهاي وقرية (السمرا) الساحلية السورية، تشابكت أحداثُ الرواية، قصةٌ لرجل تعاون الزمان والقدر على إحداث شرخٍ عميقٍ فيه، هرب من ماضيه ولم ينجُ.. هناك قانونٌ أرضيٌ لا يتسامح مع التوبةِ الصادقة.. فالتوبةُ لا تعني إلغاء العقوبة.

اقتباس.. (يُدركُ ذاته بكينونته قد سما قبحاً داخلياً عظيماً، يُمسي فيتسترُ في الظلام لينزلقُ بآثامه دون رقيب، يُصبِحُ وقد تحوّل لإنسانٍ آخر يتربعُ على عرشِ الأخلاق والرزانة).

ختمت مهنا حديثها بالعودة إلى بدايات رحلتها في عالم الكتابة مطلع عام 2017، عبر النشر الإلكتروني على عدد من المواقع والمكتبات الرقمية مثل “مكتبة نور”، “فور ريد”، و”موقع كابوس”، وغيرها.

وحققت في عام 2019 حلمها بطباعة أولى رواياتها الورقية بعنوان “رهينة الواقع العاجز”، تلتها رواية “جرح بملامح إنسان” عام 2020.

وأصدرت رواية “حطام” عام 2022 التي حصدت جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي، ثم أتبعتها في عام 2023 بمجموعة قصصية بعنوان “بقايا ورق”، والتي نالت جائزة دار الملتقى للقصة القصيرة.

عام 2024 شهد فوزها بجائزة النشر المجاني من دار فاصلة للنشر والتوزيع عن روايتها الجديدة (العنوان المبدئي: “جنوني بعينيك انتحار”، وقد يخضع للتغيير).

كما فازت روايتها “زهرة الأزاليا” بجائزة الرواية العربية من دار حواديت.

وفي عام 2025، أحرزت جائزة المتنبي الأدبية عن قصتها القصيرة “الملاذ الأخير”.

آخر الأخبار
إخماد حريق بمستودع غاز في حي العريض بطرطوس  الشرع يتلقى اتصالاً من نظيره اللبناني للتعزية بضحايا الهجوم الإرهابي بدمشق الداخلية: الخلية الإرهابية التي نفذت تفجير الكنيسة تتبع لـ"داعش" والقبض على  أفرادها "الإسكان" وتوجه جديد.. التخطيط سابق للتنفيذ صناعيو السيراميك يواجهون مشكلة إغراق السوق بالمستوردات والمهربات افتتاح ثلاثة مراكز غداً..  عودة المؤسسة السورية للبريد إلى إدلب بعد انقطاع عشر سنوات    إطلاق مؤتمر "كارلتون" في إدلب.. انطلاقة استثمارية جديدة في المدينة محافظ إدلب يزور قرى ريف معرة النعمان الشرقي لتفقد أوضاعها بحضور شعبي واسع.. تشييع جثامين ضحايا التفجير الإرهابي بدمشق وزير الأوقاف يزور مصابي تفجير كنيسة مار إلياس في " إكسبو" وبعد الغياب.. شركات الشمال .. الحضور القوي والعلامة الفارقة طلاب السويداء ينهون امتحان الاجتماعيات في أجواء هادئة تلقيح 60 طفلاً في الريف الشرقي بحمص جنود إسرائيليون يعتدون على منظومات الطاقة في بلدة جملة دعم المشاريع الاستثمارية بدرعا مع مجموعة بعلبكي للإعمار والاستثمار إزالة تعديات على خطوط مياه الشرب في إنخل تحديات أمام مجلس الشعب القادم.. خبير قانوني لـ"الثورة": دور فاعل في مساءلة الحكومة كي لا يتحول لشرعي... انطلاق عمليات تصحيح الأوراق الامتحانية للتعليم الأساسي بحلب دمج المجالس المحلية في مناطق الشمال ضمن محافظة حلب التوغل العسكري الإسرائيلي يتصاعد في جنوب سوريا