موقفٌ بسيط أو لحظة مرّت بلمح البصر، جعلتها تستدرك وتعيد خطوتها إلى الوراء.. لتتأمل غرضاً بقيت لزمنٍ تبحث عنه.. وفجأة عثرت عليه معروضاً في الواجهة البلّورية لأحد المحال.
تلقّفته سريعاً من البائعة وكأنها تكافئ نفسها لجلوسها هادئةً على كرسي طبيب الأسنان.. فاشترته وهي خارجةٌ من العيادة، بعد أن عاينته بفرحة من عثر على شيءٍ ثمين ضلّ السبيل إليه.
في البيت وضعته بمكانه المخصص، لكن لم يكن مناسباً.. بدا مختلفاً عمّا تخيّلته، عادت إلى المحل واستبدلته بغرضٍ آخر.
أيضاً لم يخدم غايتها، لتعود تستبدله لمراتٍ ثلاث والنتيجة أنها تاهت عن هدفها الأساسي وعلقت في دوامة أضاعتها عن مقصدها الأول.
أرهقتها محاولات التعديل.. ونسيت فعلياً السبب الذي دفعها لاقتناء ذاك الغرض، فكل البدائل لم تسدّ الفراغ أو تحصّل الغاية.
تأمّلت كيف استهلكتها مشاوير استبداد الغرض، وكيف تحوّلت غايتها إلى مجرد حالة ترميم.. نسيت بفعلها حاجتها الأساسية.
سحبت الموقف على الكثير مما خبرته مؤخراً من علاقات وليس فقط على المشتريات أو المقتنيات.
مجرد موقف بسيط جعلها تفكّر بكيفية التحول التدريجي “مما نريده” إلى “ما توفّره الظروف ويكون متاحاً”.. فتربكنا متاهات تُزرع في طريقنا لتحقيق غايتنا.. هل التوهان جزءٌ من أي تجربة نقوم بها..؟ بمعنى أنه يجعل الهدف أعمق حين نعثر عليه.. هل كانت تائهة عن مقصدها، وغايتها، أو حتى رغبتها باقتناء ما أحبّته؟ ربما العكس هو ما حدث معها.. وبسبب رغبتها الشديدة للعثور على (الغرض) لم تبصر أو تفكر جيداً.. لمحت شيئاً ممكن أن يناسب فاندفعت واشترت.. تورطت ذات اندفاعٍ ووهم.
مع أنها على يقين أن (الشيء/الغرض) أحياناً لا يناسبنا لكن وبسبب نقصه، غيابه، عدم توفره، نتوهم أننا بحاجته.. كأننا نبصر بدائل (مزيفة).. أو تعويضاً مؤقتاً لفراغٍ ما.
موقف بسيط جعلها تسترجع مقولة “كيركيغارد”: (لا يمكن فهم الحياة إلا إلى الوراء، لكنها لا تُعاش إلا إلى الأمام).. اندفعتْ.. تاهتْ.. أو توهمتْ.. الآن تفهم كيف اختصر ذاك الموقف الكثير من تجارب اندفاعاتها.. فتطل عليها من وراء عدسات مسافة زمنية مكبّرة.. لتدرك أن في طريق بحثها عن شيء محدّد عثرت على شيء آخر تماماً.