ثورة أون لاين-بقلم رئيس التحرير: علي قاسم : مارست أميركا والغرب عموماً الكذب مراراً وتكراراً، بذريعة ومن دون ذريعة.. بقرينة ومن دون قرينة.. وما كذبوا به كان حجة للكثيرين.. وأحياناً أدلة على تفريخ أزمة أخرى تضاف إلى أزمات المنطقة.
ولكن الكذب هذه المرة لم يكن بحاجة لكثير من الجهد حتى تتضح حدوده في الموقف التركي، خصوصاً حين لفه التناقض والارتباك، وحين تناوب المسؤولون الأتراك على تدوير الزوايا، بدءاً من انسحابهم من تصريحاتهم الأولى، وليس انتهاءً بما خلصت إليه استنتاجاتهم المغلوطة.
بالطبع ليس من الصعب فهم الأسباب والدوافع.. ولا قراءة الخلفيات، ونحن نرى الاصطفاف الغربي الذي بدت تصريحات مسؤوليه بمنزلة تعليمات صارمة لحكومة أردوغان صدرت تباعاً، وقد لاحظ الجميع كيف انعكس ذلك في وتيرة العدائية التي تصاعدت بالتدريج.
وإذا كان بمقدور أي متابع تفسير هذا الانسياق الغربي والتقاط الحادثة كذريعة لتصعيد سياسي يعيد رسم المشهد بتداعياته المتتالية، يبدو من اللافت تلك المطواعية التي أبدتها حكومة أردوغان في الانصياع لأمر العمليات الأميركي الذي تم التمهيد له بموقف أوروبي محرض ومستفز استبق التفاصيل..ليصدر أحكامه النهائية.
لا نختلف على أن للغرب نيّاته المبيتة.. لكن يبدو لافتاً أن تترجم حكومة أردوغان تلك النيّات التي اقتضت الكذب وتسويق روايات متناقضة إلى حدّ أن كل رواية لا تكتفي بنسف ما قبلها فحسب، بل تضيف حجة جديدة دامغة على الموقف التركي وتوجهه العدائي غير المبرر.
ولعل التصريحات التي تناوب على إطلاقها وزير الخارجية البريطاني ومن ثم نظيرته الأميركية تكشف الوجه الحقيقي الذي يراد من خلاله النفخ في الرماد كلما خمدت التصريحات التركية، ولا يغفل أحد عن مدلولاتها، وما تنطوي عليه من رغبة في أن تتحوّل إلى «إبريق زيت» جديد للاستهداف.
المعضلة التي واجهت الخطاب الغربي عموماً والأميركي تحديداً أنه منذ بداية الأزمة في سورية تعاطى بمنطق افتقد للحدّ الأدنى من المصداقية، وبالتالي بات من الواضح أن الذرائع التي يتبناها بدت في أغلبها حججاً عليه بدل أن تكون معه، ولم يكن الخطاب التركي أكثر من صدى لذلك الخطاب، اتسعت فيه العيوب وتضاعفت الأخطاء، فتحولت ذرائعه إلى ورطات سياسية دفعت ثمنها من رصيدها في المنطقة والعالم، فيما كانت تكلفته أكبر في الداخل التركي الذي تعالت الأصوات فيه مرتفعة أكثر من أي وقت مضى.
ويبدو أن الثمن في هذه الورطة الجديدة لا يريد له الغرب وأميركا أن يقتصر على تآكل المزيد من رصيد حكومة أردوغان التي فرغ تماماً لدى أغلبية الأتراك .. بل يدفعون بها إلى تبني مواقف مغالية في معاداتها.. وإلى حماقات سياسية خطيرة لها تداعياتها على المنطقة والعالم.
لذلك المسألة أبعد من رواية سياسية متعددة الأوجه وتنطوي على مفارقات تدين حكومة أردوغان قبل غيرها، وتؤكد النيات غير الودية التي يراد منها توريط تركيا في مواقف لا تستطيع تحمّل تبعاتها ولا الارتدادات التي تنطوي عليها.
ما فاتهم جميعاً مرة أخرى أن الوقائع على الأرض تبقى الأقوى رغم لغة التزوير وخطاب التضليل.. وأن القرائن المتوافرة كافية بل دامغة.. ورغم اليقين أنهم لا يملكون ما يدحضها، فإنهم لن يترددوا في النفخ.. لكنهم كما فشلوا في الماضي يرتسم الفشل من جديد مع فارق في غاية الأهمية.. أنه يقترن هذه المرة بما يكفي من أدلة للإقرار به.
ندرك أنه لم يفت الأوان بعد.. وأن الأبواب لم تغلق جميعها، ولو كانت مواربة ،لاستدراك ما يمكن استدراكه، لأن الجميع بات على قناعة بأن الغرب ليس بوارد الدفاع عن تركيا.. ولا عن المنطقة بقدر ما هو مولع بإشعال حرائق جديدة تكون دول هذه المنطقة وشعوبها وقودها كي يبرر بقاءه وسطوته ويروي شهوته للدم والعدوان، مستعيداً ماضيه الاستعماري البغيض الذي لا يمكن أن تغيب تشظياته عن الأتراك ولو حاولت تناسيه حكومة أردوغان.
a.ka667@yahoo.com