الثورة – بسام مهدي:
هل ما نقرأه على هواتفنا حقيقة أم فخاً رقمياً؟ في زمنٍ باتت فيه شاشة الهاتف الذكي نافذتنا الأولى على العالم، لم يعد يكفي أن نقرأ خبراً لنتأكد من صحته، بل صار علينا أن نُحقق ونُمحّص، لأن كثيراً مما يُتداول ليس سوى “أكاذيب رقمية” تُصاغ بدهاء وتُبث بسرعة، فتخدع العقول وتؤجج الانفعالات.في أوقات الأزمات، سواء كانت حروباً أم كوارث طبيعية أم أوبئة، تكون الشائعة أكثر فتكاً من الحدث ذاته، أُطلقت في الفترة الأخيرة موجات من الإشاعات حول تحركات عسكرية، وأحداث أمنية مفبركة، وروجت لها حسابات مجهولة عبر تطبيقات المراسلة، بهدف إثارة البلبلة وزعزعة الثقة.
ما الشائعة؟ وما الفرق بينها وبين الخطأ؟
ليست كل معلومة غير دقيقة تُعد شائعة أو خبراً كاذباً، الفرق الجوهري هو النية.. الخبر الكاذب يُنشر بقصد التضليل، بينما الخطأ الصحفي هو نتيجة سهو أو نقص في التحقق. هناك أنواع متعددة للأخبار الزائفة:أولاً، مُلفقة تماماً: تُخترع من العدم.ثانياً، مُضللة: تستند إلى جزء من الحقيقة وتُبنى عليه سردية كاذبة.ثالثاً، هجومية: تهدف لتشويه سمعة شخص أو جهة.رابعاً، ساخرة: تُنشر على أنها “نكتة” لكنها تُتداول كحقيقة.أما طرق انتشارها فتطورت: من المنشورات المفتوحة إلى المجموعات المغلقة على “واتساب” و”تلغرام”، مروراً بـ “الفيسبوك” والـ “تيك توك”، إذ يعيد آلاف المستخدمين النشر دون تحقق، فيصبح الوهم واقعاً افتراضياً.
لماذا تُنشر الأخبار الكاذبة؟ ومن المستفيد؟
الدوافع كثيرة، لكن يمكن تلخيصها بثلاثة محاور:
أولاً، سياسية: لتوجيه الرأي العام، تأليب الناس، أو تشويه طرف معين خلال حملات انتخابية أو صراعات داخلية.
ثانياً، اقتصادية: “العنوان الصادم” يجذب النقرات والمشاهدات، ويحقق أرباحاً إعلانية لمواقع غير مهنية.
ثالثاً، نفسية واجتماعية: أحياناً، تكون رغبة فردية في التميز، أو ترويج “سبق”، أو حتى نشر الخوف والتوتر ضمن ما يُعرف بسيكولوجيا القطيع.
أزمة ثقة وتهديدات متعددة
إن النتيجة الكبرى لتفشي الشائعات هي تآكل الثقة، فعندما تتكرر الأخبار الكاذبة، يشك المواطن في كل شيء: في الإعلام، في المؤسسات، وحتى في جاره.الأثر الأخطر يظهر عندما تؤدي هذه الأكاذيب إلى:تفكك اجتماعي وفتن طائفية: كما حدث في بعض المناطق بعد ترويج شائعات كاذبة عن عمليات خطف أو قتل.استغلال سياسي: حيث تتحول الأكاذيب إلى أدوات تضليل جماعي في فترات حرجة.
كيف نواجه هذا الخطر المتفاقم؟
أولاً، إن المعركة ضد الأخبار الكاذبة ليست أمنية فقط، بل مجتمعية وتربوية وتقنية،ثانياً، إن الصحافة الاحترافية هي خط الدفاع الأول، عبر الالتزام بالتدقيق، والتوثيق، وتفنيد الشائعات لحظة بلحظة. ثالثاً، يجب أن تدخل التربية الإعلامية المدارس لتعليم الطلاب كيفية تحليل الأخبار ومصادرها.رابعاً، التقنيات الحديثة- مثل الذكاء الاصطناعي وأدوات الـ fact-checking باتت قادرة على رصد المحتوى المشبوه وتحليله في ثوانٍ.خامساً، المسؤولية الفردية: يجب ألا تساهم بنشر شائعة، تحقق قبل أن تضغط زر “إعادة النشر”.
كن أنت الخط الدفاعي الأول
في زمن الانفجار المعلوماتي، صارت الحقيقة سلعة نادرة، تتطلب جهداً مضنياً للوصول إليها، فيما تنتشر الأكاذيب “كالنار في الهشيم”، تحتاج الحقيقة إلى قلوب يقظة وعقول نقدية..لا تكن جزءاً من سلسلة التزييف، بل كن حاجز الصد الأول.. اقرأ.. تحقق، ثم قرر، لأن حماية الحقيقة مسؤوليتنا جميعاً، وإنقاذ المجتمع من الفتنة يبدأ بك.