الثورة:
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً تحليلياً بعنوان: “تحليل قانوني للمرسوم التشريعي رقم 16 لعام 2025 بشأن إلغاء قرارات الحجز الاحتياطي: إجراء تصحيحي أولي يستلزم استكمالاً تشريعياً ضمن مسار العدالة الانتقالية”.
ويأتي التقرير في أعقاب صدور المرسوم عن الحكومة السورية الانتقالية بتاريخ 10 أيار 2025، والذي نصّ على إلغاء قرارات الحجز الاحتياطي الصادرة بين عامي 2012 و2024 استناداً إلى المرسوم 63 لعام 2012، والذي استُخدم كأداة لفرض العقوبات المالية على آلاف المواطنين خارج الأطر القضائية.
أكد التقرير أن المرسوم يمثل اعترافاً قانونياً بممارسات جائرة كانت سائدة خلال عهد نظام الأسد البائد، لكنه في الوقت نفسه لا يرقى إلى مستوى الإصلاح التشريعي المطلوب في مرحلة انتقالية. ويشدد التقرير على ضرورة أن تُبنى القوانين الانتقالية على قواعد تضمن الوقاية من تكرار الانتهاكات، وتكفل شمول الضحايا كافة، وتوفّر سبل الإنصاف الفعّالة.
ورغم الترحيب بإصدار المرسوم، إلا أن التقرير يشير إلى عدد من الفجوات الخطيرة، من أبرزها “استثناء قرارات الحجز القضائي التي صدرت تحت ظروف استثنائية أو ضغط أمني، وغياب النص الصريح على إلغاء المرسوم 63 لعام 2012، رغم كونه أساساً لكل قرارات الحجز، وعدم معالجة المصادرات التي تحولت من حجز احتياطي إلى تنفيذ نهائي.
وتطرق إلى إهمال ضحايا الخارج أو المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة الانتقالية، وغياب آليات بديلة تمكنهم من استعادة حقوقهم، وانعدام أي خطة واضحة لجبر الضرر، سواء بردّ الممتلكات أم بتعويض المتضررين.
استند التقرير إلى قاعدة بيانات توثيقية تراكمية لدى الشبكة، تشير إلى أكثر من 40,600 قرار حجز صدر بحق حوالي 320 ألف مواطن بين 2012 و2024، وغالبية القرارات تمّت دون إجراءات قضائية، بل بناءً على أوامر أمنية أو تعليمات شفهية، والتركيز الجغرافي لهذه الانتهاكات في مناطق الاحتجاج والنزوح، ما يبرز بعدها السياسي والانتقامي.
يشير التقرير إلى أن الحجز لم يكن مجرد إجراء وقائي بل وسيلة للاستيلاء على ممتلكات المعارضين أو السكان في مناطق خارجة عن سيطرة النظام. إذ تم تحويل العديد من قرارات الحجز إلى مصادرات نهائية، ما سمح للدولة أو لشخصيات نافذة بنقل ملكيات دون محاكمة أو سند قانوني فعلي.
وتُشدد الشبكة على أن الخيار الأوّل في معالجة هذه الانتهاكات يجب أن يكون إعادة الممتلكات (الرد)، ويُصار إلى التعويض فقط عندما يتعذّر ذلك.
واستنتج التقرير أن المرسوم يشكّل بداية متأخرة لتصحيح سياسات قانونية قمعية، لكنه يبقى جزئياً، وبين أن الإصلاح الحقيقي يقتضي تفكيك كامل منظومة القوانين التي شرعنت الحجز والمصادرة، كما أن الاستمرار بتجاهل الضحايا الذين حُرِموا من ممتلكاتهم بشكل نهائي يُكرّس الظلم ولا يعالجه، ولفت إلى أن هناك حاجة ملحة إلى إشراف قانوني مستقل، وإدماج المجتمع المدني، وتسهيل آليات الاعتراض واسترداد الحقوق.
دعت الشبكة الحقوقية إلى الإلغاء الفوري والصريح للمرسوم 63 وجميع النصوص المرتبطة به، ومراجعة قرارات الحجز القضائي الصادرة في ظروف غير عادلة، وإعداد قانون خاص لجبر الضرر يتضمن آليات للرد أو التعويض، وتعليق التصرف القانوني بالممتلكات المصادرة ريثما يُبتّ في مشروعيتها.
وشددت على ضرورة نشر أسماء المتضررين ممن شملهم المرسوم، وضمان حقهم في الاعتراض والطعن، وملاحقة المسؤولين عن إصدار وتنفيذ قرارات الحجز، مؤسسياً وفردياً، وإشراك المجتمع المدني، والاستفادة من الدعم الفني الدولي في تنفيذ هذه الإصلاحات.
وشددت الشبكة على أن هذا التقرير يأتي ضمن سلسلة تقارير تهدف إلى تفكيك البنية القانونية التي رسّخها نظام الأسد لتقويض الحقوق. وترى أن أي عدالة انتقالية جادة يجب أن تبدأ بإلغاء القوانين الاستثنائية ومحاسبة من شرّعوا الانتهاك أو نفّذوه، إضافة إلى توفير ضمانات بعدم تكراره مستقبلاً، في إطار دولة القانون والعدالة والمساءلة.