الثورة – حسين روماني:
اجتمعت الألحان السورية المتنوعة على خشبة مسرح القباني بدمشق في ملتقى آلة البزق، عبر رحلة استمرت ثلاثة أيام امتدت بما قدمته من أغانٍ ومعزوفات من أراضي شرق سوريا نحو الجغرافية السورية المتنوعة، بمشاركة العديد من العازفين والعازفات، وبرؤية وإشراف الكاتب والزميل إدريس مراد.
شقيقات من آلاف السنين
عائلة من الآلات الوترية احتوت على ثلاث شقيقات، بدأت بالطمبورة التي وصل بها العمر إلى 5000 سنة، ذات العنق الطويل والصندوق البيضوي المغلق، وفي جانبها الأيمن فتحة يشد عليها وترين إلى ثلاثة، ومن أشهر عازفيها محمد عارف الجزراوي، تليها آلة البزق والتي تختلف عن شقيقتها بفتحة على الصدر وتمتاز بصوت أكثر حدة ونعومة في آن واحد، محببة لدى العديد من الشعوب الشرقية، ولقب الراحل محمد عبد الكريم بأمير البزق كناية عن أصابعه السحرية التي أبدعت في العزف عليها، ثمّ الباغلمة التي تختلف عن الباقيات بالزند القصير، ومن أشهر العازفين عليها الموسيقي عارف ساغ، جميعها ما زالت حاضرة على المسرح تقدّم بشكلها التي حافظت الأجيال عليه النغمات السورية المتنوعة.
ثقافة موسيقية مملوءة بالألوان
يروي لنا مراد تطورات هذه الآلة: “الآلات الوتيرة التي اشتغل عليها الإنسان الأول مع بداية البشرية تشبه بعضها، فتلك التي في مناطقنا إلى تتشابه ذاته الموجودة في مناطق الصين وروسيا والقوقاز وحتى في رومانيا، وكل شعب تناولها بحسب حاجته وألحانه، فمثلاً الطمبورة في سوريا لا تشبه الطمبورة في السودان، أما الآلة التي استعملتها الحضارة الفرعونية المصرية فهي الآلة التي جاءت من بلاد ما بين النهرين، بالرغم من أنها لم تكن موجودة في الثقافة الفرعونية فماذا تفعل على نقوش الفراعنة؟ هذا السؤال أخذني نحو البحث والتعمق لأصل إلى المصاهرة الشهيرة، إذ ذهبت نفرتيتي كأميرة من بلاد النهرين إلى مصر، ومن الطبيعي أن تأخذ معها تختها الموسيقي وكانت مخصصة لأبناء وبنات البلاطات”، ويكمل، “الآلة تطورت حسب الحاجة، فالطمبورة أنتجت البزق الذي بدوره أنتج الباغلما”.
وعن هذا الملتقى الذي أقيم تحت رعاية وزارة الثقافة قال: “آلات الطمبورة، والبزق، والباغلما، آلات سورية متجذرة في ثقافة البلد خصوصاً، وأنها بين يدي جزء كبير من الكرد السوريين، ومن المفروض أن نحتفل بها طالما أنها تصلح أن عمرها الطويل لم يمنعها من أن تكون متواجدة على أهم مسارح العالم، لذلك يجب أن يكون لها مساحة في ثقافتنا السورية، فسوريا للجميع وتسعى للجميع، الثقافات السورية بكل مكوناتها يجب أن تكون متواجدة في سبيل التعرف على الآخر، غياب الآلات الكردية، الطمبورة، والباغلما، سمح للبزق بالدخول في الثقافة العربية، ومن أشهر من استخدمه محمد عبد الكريم الذي استقدمها في خمسينيات القرن الماضي إلى حمص من مناطق ما بين النهرين، إذ جمع ما بين البزق اليوناني والطمبورة”.
تواجد العديد من الأجيال على قائمة الأسماء المشاركة يعكس إمكانية هذه الآلة، كما قال لنا مراد: “الآلة مرغوبة إلى اليوم خاصة لدى جيل الشباب، والفضل يعود إلى مهرجان البزق الذي عزف فيه العديد من مواطني الجزيرة السورية المبدعين، منهم آريجان سرحان وإياد عثمان، وجال بين المحافظات السورية، ليصل هذا الانتشار بالآلة إلى مضمار الموسيقا التصويرية للعديد من أعمال الدراما السورية، وما أردنا إيصاله خلال تلك السنوات بأننا في سوريا لدنيا ثقافة ملونة غنية.
وختم حديثه بالقول: “عدا عن التنوع الجغرافي في المعزوفات، التي سيقدمها عازفون من البادية ومن حمص، فالجديد الذي سنقدمه هذا العام ثلاث أغنيات مرتبطة بهذه الآلة، اليوم الأول للراحل عازار حبيب وأغنية “شو قولك”، اليوم الثاني للراحل محمد عبد الكريم، والأغنية الأخيرة في اليوم الثالث من التراث الكردي، والثقافة السورية الملونة متواجدة في ملتقى البزق “.
لغة عالمية
يخبرنا آلان مراد- عازف البزق، عن مشاركته في اليوم الأول من هذا الملتقى: “آلة البزق هي آلة موجودة في منزلنا، معلّقة على الحائط في بيوت الأكراد بمنطقة شمال سوريا، حتى وإن لم تجد من يعزف عليها، فهي تراث متوارث، عزفت أغنية للراحل عازار حبيب، رافقني سليمان حرفوش في الغناء، ونحن في الملتقى موجودون من جميع الأراضي السورية، كل واحد فينا يعزف تراث منطقته، وفي النهاية جميعنا نقدم عبر الموسيقا لغة عالمية، ونحافظ على هذه الآلة من أن تختفي”.
أما عازف الطمبورة أكرم نازي، الذي جاء من عفرين خصّنا بالحديث، وقال: “هذه المشاركة ليست الأولى لي، قدمت اليوم مع آلة الدف معزوفة من التراث، إذ إنه من المهم وجود الإيقاع لتكتمل الجملة بين الطمبورة والدف، هذا الملتقى يجمع المحبة والسلام قبل الآلات المتنوعة القادمة من كل مكان لتقدّم أجمل الألحان، الطمبورة الآلة الأم توارثناها من الحضارة الكردية الحاضرة في المنطقة التي عشنا بها بجبالها ووديانها، أمسكتها وأنا في السبع سنوات من عمري واليوم تجاوزت الخمسين عاماً”.
السيدة حنان عبود كانت من الحاضرين، سألناها عن رأيها بما سمعت وشاهدت فقالت: “جميل ما قدمه العازفون، الآلة تقليدية ومن المفيد أن تحيا على خشبة المسرح، لتبقى عالقة في ذاكرة الناس، ويتعرف عليها الجيل الجديد، أسعدني وجود شباب بعمر الورد تستمع بشغف ونهم لهذه الآلة، وأتمنى أن تكون الفسحة أكبر عبر النشاطات المتنوعة”.