السيرة الذاتية في زمن الذكاء الاصطناعي..الدكتور عمروش لـ”الثورة”: من وثيقة تعريفية إلى أداة استراتيجية
الثورة – مها دياب:
في زمن تتسارع فيه التحولات الرقمية وتتبدل فيه آليات التوظيف بوتيرة غير مسبوقة، لم تعد السيرة الذاتية مجرد وثيقة ترفق بطلب العمل، بل أصبحت بوابة عبور إلى الفرص المهنية، وأداة استراتيجية تعكس هوية الفرد المهنية وتظهر مدى جاهزيته لسوق العمل الحديث.
إن فهم الشباب لأهمية هذه الوثيقة، وإدراكهم للتغيرات التي طرأت على طريقة إعدادها، يعد ضرورة ملحة في ظل دخول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى مشهد التوظيف، وتحول الشركات إلى أنظمة تقييم آلية تعتمد على الخوارزميات أكثر من الانطباعات الشخصية.
وفي لقاء لصحيفة الثورة مع الدكتور فادي عمروش، استشاري في التحول الرقمي وريادي أعمال مجتمعي، نستعرض أبرز محاور الموضوع، من خلاله يضع خارطة طريق واضحة للشباب نحو سيرة ذاتية فعالة ومتميزة.
جاذبية السيرة الذاتية
قال الدكتور عمروش: إن نجاح السيرة الذاتية عند قراءتها لأول مرة يتوقف على قدرتها على إقناع القارئ خلال ثوان أنها تنتمي إلى الشخص المناسب تماماً للوظيفة، موضحاً أن استخدام الكلمات المفتاحية المتطابقة مع الوصف الوظيفي، وإبراز الجدية والشغف، يعدان من أهم عوامل الجذب، كما شدد على أهمية التنظيم البصري والوضوح، لأنهما يوجهان انتباه القارئ إلى النقاط الحاسمة بسرعة، ما يزيد من احتمالية الاستمرار في القراءة والتقييم الإيجابي.
وأكد على أن قواعد إعداد السيرة الذاتية تختلف جذرياً بين المجالات المهنية، ففي القطاع الأكاديمي يعطى التسلسل الزمني والتفاصيل الدقيقة أهمية قصوى، بينما في المجالات الإبداعية يركز على الجانب البصري والتصميم، أما في قطاعات الأعمال والاستشارات فالأولوية للنتائج والإنجازات.
وشدد على ضرورة أن يدرك كل شاب طبيعة مجاله المهني، ويصمم سيرته الذاتية بما يتماشى مع المعايير السائدة فيه، لا أن ينسخ نموذجاً عاماً لا يعبر عن خصوصيته.
وأوضح د. عمروش أن التركيز لا يجب أن يكون على البرنامج المستخدم، بل على توافق مخرجاته مع أنظمة التوظيف الآلية، وأوصى باستخدام برامج تحرير نصوص بسيطة، مثل مايكروسوفت وورد أو مستندات غوغل، مع حفظ الملف بصيغة (بي دي اف) قابلة للقراءة الآلية، منبهاً إلى ضرورة تجنب النماذج المعقدة أو إدراج الصور، لأنها تعيق التحليل عبر أنظمة تتبع المتقدمين، ما قد يؤدي إلى استبعاد السيرة قبل أن تصل إلى مسؤول الموارد البشرية.
من صياغة تقليدية إلى هندسة أوامر
وبين د.عمروش أن الذكاء الاصطناعي التوليدي أحدث نقلة نوعية في طريقة إعداد السير الذاتية، حيث أصبح بإمكان المرشحين استخدام أدوات ذكية لتحسين الصياغة وتوليد محتوى مخصص بناء على الوصف الوظيفي.
وشدد على أهمية استخدام لغة مفهومة للأنظمة الذكية، لأن الفحص الأولي يتم عبر خوارزميات قبل أن تصل السيرة إلى الإنسان، مشيراً إلى ضرورة إتقان هندسة الأوامر عند استخدام الذكاء الاصطناعي، بحيث لا يطلب منه فقط تحسين السيرة، بل يوجه بأمر واضح ومحدد يؤدي إلى نتيجة متميزة.
الحفاظ على الهوية المهنية
وأكد أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يستخدم كأداة دعم لا كبديل عن التعبير الذاتي، وأوضح أن الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في اختيار المفردات دون مراجعة بشرية، قد يؤدي إلى ضياع نبرة الشخصية المهنية الفريدة، لذلك شدد على أهمية استخدامه في صقل اللغة وتحسين التنظيم، مع الحفاظ على الأسلوب الشخصي والقيم المهنية التي تعبر عن هوية الفرد.
وبين أنه من يجيد توظيف الذكاء الاصطناعي يمكنه بناء سيرة ذاتية أكثر وضوحاً وتنظيماً واتساقاً، ما يمنحه ميزة تنافسية حقيقية، كما أنه يساعد المرشح على إبراز مهاراته بشكل منهجي ومتوافق مع متطلبات سوق العمل، بشرط ألا يستخدم بشكل يطغى على الهوية الذاتية، بل يعززها ويبرزها.
وبين الاستشاري عمروش أن معظم الشركات الكبرى تعتمد على أنظمة تتبع المتقدمين، التي تحلل السير الذاتية وتقيّم مدى توافقها مع الوصف الوظيفي، وأشار إلى أن بعض الشركات بدأت باستخدام وكلاء ذكاء اصطناعي، مثل مانوس لتقييم السير الذاتية، خاصة عند استقبال أعداد كبيرة من الطلبات، وشدد على ضرورة أن يدرك الشباب أن أول من يقرأ سيرتهم ليس إنساناً، بل خوارزمية، ما يستدعي صياغة دقيقة ومتوافقة مع المعايير التقنية.
التفاصيل الصغيرة قد تصنع الفرق
كما أوضح أن توقيت إرسال السيرة الذاتية لا يؤثر بشكل كبير على التقييم، لأن الطلبات تراجع مجتمعة.
ومع ذلك، أشار إلى أن توقيت إرسال البريد الإلكتروني قد يؤثر على احتمال فتحه بسرعة، وخاصة إذا تم إرساله في بداية الدوام.
ونصح الشباب بالحرص على إرسال الطلبات في أوقات مناسبة، دون أن يبالغوا في القلق بشأن التوقيت.
وأكد على أن أفضل أسلوب للتواصل مع الشركات بعد إرسال السيرة الذاتية هو إرسال رسالة متابعة مهذبة بعد مرور خمسة إلى سبعة أيام من التقديم.
وشدد على أهمية أن تتضمن الرسالة خطاباً مختصراً يبرز أهم عناصر السيرة الذاتية، ويظهر فهماً دقيقاً لاحتياجات الوظيفة. كما أوصى بتخصيص الرسالة لتتوافق مع ثقافة الشركة، مع الحفاظ على نبرة احترافية ومحترمة دون ضغط أو استعجال.
نصائح عملية للشباب
وفي ضوء ما سبق، يمكن تلخيص أبرز النصائح التي قدمها الدكتور عمروش في عدة نقاط أساسية فارقة وأهمها عدم كتابة سيرتك الذاتية كأنها قائمة، بل كأنها قصة مهنية تعبر عنك، وأكد على ضرورة استخدم الذكاء الاصطناعي بذكاء، لا كبديل عن شخصيتك، وضرورة مراجعة الوصف الوظيفي بدقة، وصنع سيرة تتحدث لغته، ويجب الحفاظ على التنظيم البصري والبساطة، فهما مفتاح القراءة السريعة، مع عدم التتردد في التواصل مع الشركات، باحترافية واحترام، وضرورة تعلم أدوات التوظيف الحديثة، وأن تكون مستعداً للتعامل مع الخوارزميات قبل البشر.
السيرة الذاتية اليوم ليست مجرد وثيقة، بل هي انعكاس لرؤية الفرد المهنية، وقدرته على التكيف، والتعبير، والتواصل، وكل شاب يتقن فن إعدادها، يضيف إلى فرصه المهنية نقطة قوة لا يستهان بها.