أسباب انخفاض نسبة نجاح “التاسع”..الباحثة التربوية وصال العلي: السياسات التربوية الخاطئة سابقاً.. والظروف النفسية والاجتماعية
الثورة – فردوس دياب:
صدرت نتائج شهادة التعليم الأساسي قبل أيام، بعد عام حافل بالجد والتعب والسهر، والظروف الاستثنائية، والتي كان أبرزها انتصار الثورة السورية وسقوط النظام البائد، ومحاولات بثّ الخوف والرعب والفوضى والعبث بأمن البلد، لكن فرحة الكثير من الطلاب والأهالي لم تكتمل بسبب النتائج المتدنية ونسبة الرسوب، والتي أثارت الاستغراب والانتقاد والدهشة.
فكثير من الأهل والطلاب لم تسرّهم نتائجهم، سواء لجهة العلامات القليلة، أم لجهة رسوبهم، ولاسيما أن من حصلوا على علامات قليلة كانوا يتوقعون علامات أعلى، ومن رسب منهم، كان يتوقع النجاح وبعلامات جيدة!؟.
استياء وحزن
الطالب زيد العلي نجح بمجموع قليل، وكان يتوقع- حسب قوله- أن يكون مجموعه أكثر من ذلك بكثير، لأنه حضر للامتحان بشكل ممتاز، وهذا ما أكده أيضاً الطالب محمد الحسن والذي نجح بمجموع قليل أيضاً، والذي عبّر عن استيائه الشديد هو الآخر لأنه كان يتوقع أن تكون علاماته أكثر من ذلك، لأنه درس واجتهد وجاوب على أسئلة الامتحان بشكل ممتاز بحسب قوله.
أما الطلاب الأخوة قمر، وشمس، وكنان مرعي، وبتول، وراما مرعي، وجميل وعمر دياب، فقد عبروا عن حزنهم واستيائهم وتفاجئهم برسوبهم، لأنهم كانوا يتوقعون النجاح، بعد أن قدموا بشكل جيد في الامتحان، مشاعر الحزن بدت بشكل واضح على أهلهم الذين عبروا عن استغرابهم من رسوب أبنائهم، لطالما واكبوهم لحظة بلحظة وسهروا معهم طيلة أيام الامتحانات، وانتظروهم ساعات أمام مراكز الامتحان وقدموا بشكل جيد معظم المواد.
أخطاء التصحيح
وطالب عدد من الطلاب وأهلهم وزارة التربية بدورة استثنائية، وإعادة النظر في آلية التصحيح وإجراء مراجعة شاملة وعادلة للدفاتر الامتحانية، ونشر توضيحات شفافة حول ما جرى، لأن ما حصل لا يعكس مستوى الطلاب الحقيقي.
وعن أسباب رسوب أبنائهم، تباينت إجابات أهالي الطلاب الراسبين الذين التقيناهم، فمنهم من عزا ذلك لأخطاء في التصليح والتنتيج، ومنهم من عزا ذلك إلى صعوبة المناهج والضغط النفسي والتوتر الذي عاناه الطلاب خلال فترة ما قبل الامتحانات بسبب ظروف البلد التي مررننا بها جميعاً.
تراكم الأسباب
لمقاربة هذا الموضوع بشكل علمي وواقعي بعيداً عن المشاعر، التقت “الثورة” الباحثة والموجهة التربوية وصال العلي التي تحدثت عن أبرز الأسباب التي تقف خلف انخفاض نسبة النجاح في شهادة التعليم الأساسي.
العلي، أعربت في مستهل حديثها عن حزنها بسبب نسبة النجاح المتدنية هذا العام، والتي بلغت 49بالمئة، مضيفة أن هذه النسبة، كانت متوقعة، كونها انعكاس حقيقي لجملة من الأسباب المتراكمة والآنية التي مرّ بها السوريون جميعاً.
وأكدت أن من أبرز الأسباب التي أدت إلى انخفاض نسب النجاح، هي تلك التي تراكمت خلال السنوات والعقود الماضية، بسبب السياسات التربوية الخاطئة التي كان ينتهجها النظام المخلوع، والتي كانت تعتمد الأساليب التقليدية بالدراسة من قبل التلاميذ والطلبة، أو بالتدريس من قبل المعلمين، هذا بالإضافة إلى صعوبة بعض المواد والمناهج بشكل عام، مع نقص بأعداد المعلمين المختصين أو ضعف الكفاءة لديهم.
ظروف نفسية واجتماعية
وأضافت: إنه يمكن أن يكون من الأسباب أيضاً عدم وجود الدعم التربوي الكافي للطلاب المتأخرين دراسياً، بالإضافة إلى اكتظاظ الصفوف بالطلاب، وهو الأمر الذي يؤثر على الطالب والمعلم معاً، فوجود خمسين طالباً في الصف الواحد من شأنه أن يشتت انتباه الطالب ويضعف استيعابه، ومن شأنه أيضاً أن يؤثر على المعلم، لجهة عدم قدرته على إيصال المعلومة بالشكل المطلوب، ومتابعة جميع الطلاب.
العلي تحدثت أيضاً عن الظروف النفسية والاجتماعية التي عانى منها الطلاب وأهلهم بسبب حالة عدم الاستقرار نتيجة الممارسات السلبية للبعض من المعنيين، والتي أثرت سلباً على تركيز الطالب، لجهة مضاعفة التوتر والقلق والخوف.
ضغوط مادية
كما أشارت إلى عدد من الأسباب الخاصة به وبأسرته، مثل غياب الدعم الأسري وضعف المتابعة المنزلية، بالإضافة للضغوط المادية لكثير من الأسر، والتي دفعتهم للاعتماد على المدرسة فقط من دون أي تعزيز ودعم من خلال بعض الدروس الخصوصية أو المعاهد الخاصة.. ناهيك عن أن الحالة المادية الصعبة دفعت بعض الأهالي إلى تشغيل أبنائهم على حساب دراستهم لتأمين مستلزمات الحياة، وهذا ينطبق بشكل كبير على المدن والمناطق التي دمرها النظام في الشمال السوري وتهجر أهلها إلى المخيمات.
وبالنسبة لرفع نسبة النجاح خلال الأعوام القادمة، أشارت العلي إلى أن ذلك يكون من خلال إعادة تقييم كامل للخطط التربوية السائدة ووضع دراسات خطط جديدة تحاكي تطورات العصر وقدرات الطلاب والتلاميذ، بعيداً عن التعقيدات والحشو الموجود بأغلب المواد.
خطط تربوية
وأضافت: إن النهوض بالواقع التربوي يتطلب وضع خطط تركز على تطوير المناهج الدراسية بما يواكب التفجر المعرفي، وبما يبعد الطالب عن الحفظ والتلقين، بالإضافة إلى إدخال مواضيع حديثة، مثل التكنولوجيا والبيئة والمهارات الحياتية وتنمية الكفاءة المهنية للمعلم من خلال الدورات المستمرة التي تمكنه من طرائق التدريس الحديثة، ذلك أن تطوير طرائق التدريس، أمر ضروري لجعل الصف مكاناً ممتعاً ومحفزاً للتعلم من خلال استخدام الوسائل التفاعلية والعروض المرئية وتدريب المعلمين على المهارات الحياتية، ومهارات التواصل وإدارة الصف من خلال تقليل الضغط النفسي على الطلاب قبل وأثناء الامتحانات، وكذلك توعية الأهل وتفعيل دور الإرشاد، وتفعيل مجالس أولياء الأمور، والأهم من ذلك، تحسين بيئة المدرسة وتحفيز الطلاب من خلال الدعم النفسي.
ومن الأمور التي تساهم في رفع مستوى الطلاب والتلاميذ، بحسب العلي، توفير دروس تقوية مجانية، وتعزيز دور الأهل في متابعة الأبناء وتقديم الدعم النفسي لهم، فالتعاون ما بين المدرسة والبيت والمجتمع شيء أساسي لتطوير العمل التربوي وتحسين نسبة النجاح، بالإضافة الى تحسين جوده التعليم من خلال التدريب المستمر على الأساليب الحديثة في التعليم وفي كيفية الدراسة الصحيحة المنظمة، وربط التعليم بالحياة أي ربط ما تعلمه في حياته اليومية واستخدام التكنولوجيا، وأن الشاشات الذكية تساعد كثيراً في الفهم والاستيعاب لدى الطالب، أما بالنسبة للمناهج فيجب تطويرها لتكون أسهل وأوضح بعيداً عن الحشو والتكرار، والتركيز على ما يفيد الطالب من خلال توفير صفوف نظيفة آمنة مجهزة بأدوات تعليمية، وكذلك دعم الأنشطة الفنية والرياضية لأنها تساعد على تطوير شخصية الطالب، فإذا تمكنا من الجمع بين المنهاج الحديث والأسلوب المبدع، فإننا سنبني جيلاً واعياً قادراً على التفكير والإبداع يساهم في تطوير المجتمع.