“خدمة العملاء”.. في المنظمات غير الربحية فرض عين لا كفاية

الثورة – مها دياب:

 

في ظل البيئة التنافسية المتزايدة والتعقيدات الاجتماعية الراهنة، تواجه المنظمات غير الربحية اختباراً حقيقياً لإثبات جدارتها وفعاليتها، فلم تعد المشاريع والأنشطة وحدها كافية لضمان النجاح، بل برزت خدمة العملاء كعامل حاسم في تعزيز الثقة المجتمعية وضمان الاستدامة المؤسسية.

ضمن هذا السياق جاءت ورشة العمل النوعية التي نظمها مركز بنيان لبناء القدرات تحت عنوان: “خدمة العملاء، فرض عين لا كفاية”، والتي استهدفت القيادات وصناع القرار في الجمعيات والمؤسسات الأهلية.، وتعد هذه الورشة جزءً من سلسلة برامج تطويرية تهدف إلى تمكين المنظمات غير الربحية من مواكبة متطلبات العصر.

وخلال الورشة، أكد رئيس مجلس إدارة الجمعية السورية للموهبة والإبداع المهندس الاستشاري مهند الكوسا- خبير تطوير المناهج ومهارات الإبداع، أن “التميز في خدمة العملاء تحول من كونه خياراً استراتيجياً إلى واجب أساسي لا غنى عنه”.

وأضاف: “في عالم يشهد تحولات متسارعة، أصبحت جودة التعامل مع أصحاب المصلحة من مستفيدين ومانحين ومتطوعين تمثل المعيار الحقيقي لنجاح أي منظمة غير ربحية”.

خصوصية العمل غير الربحي

أوضح المهندس الكوسا أن طبيعة العمل في المنظمات غير الربحية تختلف جذرياً عن نظيرتها الربحية من حيث الأهداف والغايات وآليات التشغيل، فيما بينما تقوم الشركات الربحية على منطق تحقيق الأرباح وتعظيم العوائد للمساهمين، تنطلق المنظمات غير الربحية من رؤية إنسانية واجتماعية تهدف إلى إحداث تغيير إيجابي في حياة الفئات المستهدفة.

هذا الاختلاف الجوهري ينعكس بشكل مباشر على مفهوم خدمة العملاء في هذا القطاع، لأن العميل في المنظمة غير الربحية ليس مجرد مستهلك أو زبون بالمعنى التجاري التقليدي، بل هو شريك في تحقيق الرسالة الاجتماعية، إذ يتسع مفهوم العميل هنا ليشمل ثلاث فئات رئيسة: المستفيدون الذين يتلقون الخدمات، المانحون الذين يمولون الأنشطة، والمتطوعون الذين يقدمون وقتهم وجهدهم لتحقيق الأهداف.

وأكد م. الكوسا أن إدراك هذه التركيبة المعقدة للعملاء هو الخطوة الأولى نحو بناء استراتيجية ناجحة لخدمة العملاء، فكل فئة من هذه الفئات لها احتياجاتها الخاصة وتوقعاتها المميزة، مما يتطلب مقاربات مختلفة في التعامل، فعلى سبيل المثال، بينما يهتم المستفيدون بجودة الخدمة وسرعة تقديمها، يركز المانحون على الشفافية ومحاسبة الأداء، بينما يبحث المتطوعون عن الشعور بالإنجاز والتقدير.

أساس للتميز

وبين المهندس الكوسا أهمية دور فريق العمل كعامل حاسم في تقديم خدمة عملاء متميزة، موضحاً أن طبيعة العمل في المنظمات غير الربحية، التي تجمع بين الحماسة الإنسانية والمهنية الاحترافية، تتطلب فرق عمل متجانسة ومتناغمة، لأن نجاح أي خدمة مقدمة للعملاء يعتمد في الأساس على أداء الأفراد الذين يقدمونها، مما يجعل من إدارة الموارد البشرية عنصراً محورياً في المعادلة.

وتستند رؤية المحاضر هنا إلى أربعة مبادئ أساسية لإدارة الفريق الفعال: وهي التخطيط الاستراتيجي الذي يضع أهدافاً واضحة وقابلة للقياس، والتوجيه السليم الذي يوفر الإرشاد والدعم المستمر، والرقابة الفعالة التي تضمن التزام الجميع بالمعايير المطلوبة، والتقييم الموضوعي الذي يقيس الأداء ويحدد مجالات التحسين.

كما ركز على أهمية تنمية روح الفريق الواحد بين العاملين، مشيراً إلى أن التنافس الإيجابي داخل الفريق يمكن أن يكون محفزاً للإبداع والتميز، بشرط أن يكون موجهاً نحو تحسين الخدمة وليس نحو الصراعات الداخلية، مؤكداً أن البيئة التنظيمية الصحية هي تلك التي تشجع التعاون وتقدير الجهود وتوفر مساحة للتعلم من الأخطاء.

التسويق وبناء السمعة

خصص المهندس الكوسا جزءاً مهماً من ورشة العمل لشرح مفاهيم التسويق في سياق المنظمات غير الربحية، موضحاً أن التسويق في هذا القطاع له خصوصيته التي تختلف عن التسويق التجاري التقليدي، إذ يعتمد بشكل أساسي على بناء السمعة الطيبة وترسيخ الثقة في أذهان أصحاب المصلحة.

وبين أن العميل الراضي هو أفضل وسيلة دعائية للمنظمة، سواء كان مستفيداً يشهد بجودة الخدمة، أم مانحاً يثق بالمؤسسة ويوصي بها، أو متطوعاً ينقل تجربته الإيجابية للآخرين، إن هذه الدعاية الشفهية، كما يوضح، لها تأثير يفوق بكثير أي حملة إعلانية مدفوعة، لأنها تأتي من مصادر موثوقة وتستند إلى تجارب حقيقية.

وتناول المحاضر نموذج “4P” التسويقي (المنتج، السعر، الترويج، التوزيع) وشرح كيف يمكن تكييف هذا النموذج ليتناسب مع طبيعة العمل غير الربحي، فـ”المنتج” هنا هو الأثر الاجتماعي أو الخدمة الإنسانية المقدمة، و”السعر” قد يكون رمزياً أو غير مادي كالتبرع أو التطوع، بينما يعتمد “الترويج” على الشفافية ومصداقية التقارير، و”التوزيع” يعني ضمان وصول الخدمة لمستحقيها بكفاءة وعدالة.

بناء الولاء وتعزيز الاستدامة

كما أكد م. الكوسا أن استدامة المنظمات غير الربحية تعتمد بشكل أساسي على ولاء عملائها بمختلف فئاتهم، منوهاً بأن هذا الولاء ليس حالة جامدة، بل عملية ديناميكية تتطلب عملاً مستمراً ورعاية دقيقة للعلاقات مع جميع أصحاب المصلحة. وبين أن تحقيق الولاء يمر عبر ثلاث مراحل أساسية، الأولى هي الاستماع الفعال لاحتياجات العملاء وتوقعاتهم، والمرحلة الثانية تتمثل في تقديم قيمة مضافة تتجاوز هذه التوقعات، بينما تركز المرحلة الثالثة على الاستفادة من أدوات التكنولوجيا الحديثة في إدارة العلاقات وضمان استمراريتها. كما أشار إلى أهمية توظيف أنظمة إدارة علاقات العملاء (CRM) المتخصصة في القطاع غير الربحي، والتي تساعد في تنظيم البيانات، متابعة التفاعلات، وتحليل أنماط السلوك للتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية، ويؤكد أن الاستثمار في هذه الأدوات ليس ترفاً، بل ضرورة استراتيجية في البيئة التنافسية الحالية.

التحديات والحلول العملية

وفي هذا السياق أوضح المهندس الكوسا أن المنظمات غير الربحية تواجه تحديات فريدة في مجال خدمة العملاء، بعضها هيكلي مرتبط بطبيعة القطاع، وبعضها عملي يتعلق بظروف العمل اليومية، من أبرز هذه التحديات محدودية الموارد المادية والبشرية، ارتفاع توقعات المستفيدين والممولين على حد سواء، وصعوبة قياس العائد على الاستثمار في الأنشطة الاجتماعية. وفي مواجهة هذه التحديات، قدم مجموعة من الحلول العملية المستندة إلى خبرته الطويلة في المجال، أول هذه الحلول هو بناء ثقافة تنظيمية تركز على خدمة العملاء كأولوية استراتيجية، وليس كمجرد نشاط هامشي. وثانياً، أهمية التدريب المستمر للعاملين على مهارات التواصل وحل المشكلات. وثالثاً، تبني التقنيات الحديثة التي تعزز الكفاءة وتقلل التكاليف. ورابعاً تعزيز الشفافية في جميع التعاملات لبناء الثقة والسمعة الطيبة.

التوصيات

اختتم المهندس الكوسا ورشة العمل بتأكيده على أن خدمة العملاء المتميزة هي الضمانة الحقيقية لاستمرارية العمل الخيري وتأثيره المجتمعي، مقدماً مجموعة من التوصيات العملية للمشاركين، أبرزها: ضرورة النظر إلى خدمة العملاء كاستثمار طويل الأجل وليس كتكلفة يجب تقليلها، وأهمية تطوير أنظمة متكاملة لقياس رضا العملاء بمختلف فئاتهم، كذلك الاستفادة من تجارب المنظمات الناجحة محلياً وعالمياً في هذا المجال، التركيز على بناء الشراكات الاستراتيجية التي تعزز القدرة على تقديم خدمة أفضل، تبني منهجية التحسين المستمر في جميع جوانب خدمة العملاء. ولفت إلى أن التميز في خدمة العملاء ليس خياراً، بل هو واجب أخلاقي ومهني أمام المستفيدين والمانحين والمجتمع ككل، وشدد على أن المنظمات التي تستثمر في هذا الجانب ستكون الأكثر قدرة على تحقيق رسالتها الاجتماعية واستدامة عملها في المدى الطويل.

آخر الأخبار
مئة يوم مضت.. الحكومة الجديدة بين إرث الدمار وخطوات التعافي خبراء اقتصاديون لـ"الثورة": الإنجاز الأ... شراكة استراتيحية بين اتحاد الفلاحين ومنظمة التنمية السورية خبير مصرفي يقترح تحرير سحب التحويلات بين الحسابات المصرفية يونس الكريم لـ"الثورة":  سياسة شح السيولة أكبر العقبات في التعاملات المصرفية   بين الحقيقة والخيال في زمن الذكاء الاصطناعي..  خدعة رقمية على مواقع التواصل "مدربة الحيتان جيسيك... تعديل سلوك الأطفال عبر استراتيجيات وأساليب مختلفة الأسرة بين الأمس واليوم "خدمة العملاء".. في المنظمات غير الربحية فرض عين لا كفاية بين العلم والموسيقا..الطفلة ميرا مسوكر.. رحلة تفوق منذ الطفولة الرئاسة تعزي بضحايا هجوم كنيسة مار الياس وتؤكد على حماية العيش المشترك التكاتف الاجتماعي في حملات إعادة الإعمار .. "أربعاء حمص" نموذجاً مع اشتعال حرائق جديدة.. "الخوذ البيضاء" تُكرّم تضحيات حمزة العمارين وتطالب بالإفراج العاجل حملة مرور سرمدا: حجز دراجات نارية مخالفة وسط تأييد الأهالي لردع المخالفات وضمان السلامة لجنة حماية الصحفيين: إسرائيل تصعّد انتهاكاتها الممنهجة ضد الإعلاميين في جنوب سوريا تراجع كبير في إنتاج الفستق الحلبي.. جفاف حاد وتدهور حال البساتين لقلة الاهتمام زياد عربش لـ"الثورة": التكنولوجيا تدخل بنجاح في القطاعات الاقتصادية ويلسون يُجدد الدعوة لتنفيذ أوامر ترامب برفع ضوابط التصدير المفروضة على سوريا أستراليا إلى المربع الذهبي لسلة رجال آسيا تهديدات متصاعدة وأبعاد تتجاوز التقنية..هجمات إلكترونية تستهدف المواقع الحكومية السورية الريال أم برشلونة ؟ ما ترشيحات الفوز بلقب الليغا لموسم (2025-2026)