مئة يوم مضت.. الحكومة الجديدة بين إرث الدمار وخطوات التعافي خبراء اقتصاديون لـ”الثورة”: الإنجاز الأهم رفع العقوبات وكسر الجمود الإداري 

الثورة – ميساء العلي:

يُقال: إن أي حكومة جديدة يتم تشكيلها، يمكن سؤالها بعد مئة يوم.. أين أصابت وأين أخفقت؟.. ماذا نفذت من بيانها الذي قدمته عند البدء بعملها؟.

عند تشكيل أول حكومة جديدة في سوريا، بعد حكومة تصريف الأعمال إبان سقوط النظام المخلوع وتحرير سوريا، قدم كل وزير عند أداء القسم جملة أهداف يسعى كل وزير إلى تنفيذها. اليوم وبعد مرور أكثر من مئة يوم على عمر الحكومة الجديدة، دعونا نقرأ كيف رأى خبراء الاقتصاد عملها كوننا دائماً نهتم بالشق الاقتصادي عند التقييم ونترك مسائل السياسة.

تحديات

يقول الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش في حديث خاص لـ”الثورة”: للتقييم الموضوعي والمنهجي يجب الأخذ بعين الاعتبار مختلف الظروف المحلية والدولية التي أثرت على عمل القيادة الجديدة والحكومة الانتقالية، ولاسيما لجهة حجم الدمار والضرر البنيوي اقتصادياً واجتماعياً ومؤسساتياً، وكذلك العلاقات الخارجية العدائية والعقوبات والحصار والتي شكلت تحديات كبيرة واجهت عمل الحكومة.

ويرى عياش أنه واعتماداً على ما تقدم وضمن الزمن القصير نسبياً يمكن تقييم مستوى نجاح الحكومة في مواجهة هذه التحديات بل وتجاوز معظمها، فعلى المستوى الاقتصادي فالإنجاز الأكبر والأهم هو النجاح في البدء في إلغاء العقوبات، وفك الحصار عن الاقتصاد السوري، والعمل على إعادة دمجه بالاقتصاد العالمي، وكذلك التوجه لاعتماد نهج اقتصاد السوق الحر بدلاً عن اقتصاد احتكار القلة الذي انتهجه النظام البائد.

وفقاً لذلك- وبحسب الاقتصادي، فقد تم تحرير الاقتصاد من القيود التي عززت من حالة الركود التضخمي الجامح والسماح بالاستيراد، وتوفير السلع الأساسية، ولاسيما المقننة كالخبز والمحروقات مع تحرير أسعارها وإلغاء العمل بالبطاقة الإلكترونية الخاصة بها. ويضيف: تمت زيادة أولية على الرواتب والأجور كخطوة أولى لإصلاح وتوحيد أنظمة الرواتب وتحسين القدرة الشرائية للدخل، وتنشيط الطلب المحلي كما تم استقرار سعر الصرف عند توازنات مقبولة وتحسين القوة الشرائية لليرة وارتفاع سعر صرفها بنسبة لا تقل عن 30 بالمئة (وإن كان لأسباب غير اقتصادية) مما ساهم في تخفيض واستقرار أسعار السلع الأساسية على الأقل. ويتابع كلامه بالقول: لقد تم تعديل العديد من التشريعات والإجراءات والتي ساهمت في تخفيف الأعباء وتيسير الإجراءات لقطاع الأعمال كالرسوم والضرائب وإلغاء الأتاوات والنفقات المستترة، وكذلك تم النجاح في تأمين محدود لحوامل الطاقة ولاسيما الغاز والكهرباء والتي يتوقع تحسنها بشكل ملحوظ، والنجاح في جذب استثمارات هامة وبتمويل ضخم، وتوقيع تفاهمات مؤثرة في مختلف القطاعات التنموية، مما يساعد في تأمين التمويل اللازم للتعافي والبدء في إعادة البناء والإعمار، وكذلك تأمين فرص العمل وتخفيض معدلات البطالة وإعادة تنشيط الاقتصاد الوطني.

وبحسب عياش، فإنه يمكن اعتبار ما تقدم إنجازاً كبيراً على مستوى الاقتصاد الوطني قياساً بالفترة الزمنية القصيرة وحجم التحديات الكبير.

سلبيات

ولكن لا بد من بعض السلبيات التي رافقت تلك الإنجازات- بحسب عياش، ومنها: اعتماد سياسة تقييد السيولة المبالغ فيه لمحاولة ضبط المضاربة وتحقيق توازنات سعر الصرف، والتي أدت إلى شلل كبير في قطاعات الأعمال وأثرت على القدرة الشرائية وحجمت الطلب في السوق المحلي. ويضيف: إن الحكومة حتى الآن لم تنته من حسم كلي لمسائل العاملين والمتقاعدين على رواتبهم بالشكل اللائق والزمن المناسب.

وقال: “رغم صوابية التوجه نحو اقتصاد السوق الحر، إلا أن المبالغة في الاستيراد وعدم توفير مقومات المنافسة الحرة للصناعة الوطنية وعدم تحديد ضوابط محددة، ترك أثراً سلبياً على القطاع الصناعي وتراجع النشاط الاقتصادي ولاسيما الإنتاج المحلي مما يستوجب تطبيق انتقال متدرج يسمح بتوفير فرص المنافسة العادلة. حتى الآن لا يبدو أن الحكومة تولي القطاع الزراعي ما يستحقه من الأهمية والأولوية التنموية، فالزراعة والصناعات الزراعية التصديرية هي القطاعات الأقدر على سرعة التعافي، والأقدر على تحقيق تعظيم سلاسل القيمة المضافة، والأجدر تنموياً وكذلك تطبيق مفاهيم الحماية الذكية للإنتاج المحلي التنافسي ليتمكن من امتلاك القدرات التنافسية الكافية في الأسواق المحلية والخارجية وتحقيق شروط المنافسة الحرة العادلة والمتوازنة.

من الضرورة بمكان- بحسب عياش، الإسراع في إصلاح وتحديث القطاع العام الإنتاجي وفق الأساليب المناسبة للمرحلة الراهنة، كالتشاركية والشركات المساهمة العامة وحتى الخصخصة المتدرجة.

ومن جانب آخر يقول الخبير الاقتصادي: إنه يجب التركيز والإسراع في التطبيق الدقيق لمبادئ الحوكمة على مستوى العمل الحكومي بالكامل، ولاسيما في الجانب المالي لما له من أثر بالغ في تشجيع الاستثمار وتعزيز الثقة الدولية بالاقتصاد الوطني كما يجب العمل على التنمية الفعلية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر ومعالجة أسباب انتشار اقتصاد الظل.

وختم كلامه بالقول:”لا شك أن هذه المتطلبات تحتاج للوقت الكافي لإنجازها وتوفير متطلبات تطبيقها، مع توفر الظروف المناسبة محلياً ودولياً للمساعدة في ذلك”.

آمال شعبية

من جانبه الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي قال: إنه بعد أكثر من عقد من الحرب، ورثت الحكومة السورية الجديدة اقتصاداً منهاراً بكل المقاييس بنية تحتية مدمرة، مؤسسات مالية شبه فارغة، فساد مستشر، أسواق ظل للوقود، وانكماش غير مسبوق في الناتج المحلي الإجمالي وصل إلى نحو 50 بالمئة، ومتوسط دخل فردي لا يتجاوز 30 دولاراً شهرياً ، كما تراجع مؤشر التنمية البشرية من 0.661 عام 2010 إلى 0.557.وفي هذا السياق الكارثي، بدأت الحكومة الجديدة عملها وسط آمال شعبية وتحديات هائلة.قوشجي فصل ما فعلته حكومة المئة يوم فعلى مستوى الإصلاحات المالية والإدارية فقد تم زيادة رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 200 بالمئة، مع وعود بزيادة إضافية بعد تقييم الكادر الوظيفي وشطب الموظفين الوهميين، إضافة إلى إلغاء رسوم الإنفاق الاستهلاكي لعام 2024، وتخفيف الضرائب على الرواتب والأجور، وكذلك الضرائب على الأرباح، بهدف تحفيز الاستثمار وإعادة هيكلة النظام الضريبي ليصبح أكثر عدالة ويشجع على الاستثمار المحلي والأجنبي.

وبالنسبة لإعادة تأهيل البنية التحتية فقد تم إطلاق مشاريع لإعادة تأهيل شبكات الكهرباء والمياه والطرق، بدعم من شركات دولية ومحلية، إضافة إلى توقيع مذكرات تفاهم استثمارية مع شركات أجنبية في مجالات الطاقة والنقل والإسكان.أما عن تحفيز الإنتاج المحلي فقد تم التركيز على الزراعة والصناعات التحويلية، رغم تراجع مساهمة الزراعة في الناتج المحلي من 28 إلى 10 بالمئة، إضافة إلى استثمار جزئي في قطاع الفوسفات والغاز، رغم أن معظم الحقول الحيوية لا تزال خارج السيطرة الحكومية.ومن جهة أخرى، فقد كان هناك تحول في التشكيلة الحكومية- بحسب قوشجي- فقد تم تعيين وزراء من خلفيات اقتصادية واستثمارية، بعيداً عن المحاصصة السياسية، مما يعكس توجهاً نحو الكفاءة والحوكمة.مستمرة إلا أنه- وبحسب قوشجي، فالتحديات مستمرة، فلا تزال آثار العقوبات الدولية تعيق الوصول إلى الأسواق المالية العالمية وتمنع الاستفادة من الأصول المجمدة، إضافة إلى ضعف السيطرة على الموارد الطبيعية، معظم حقول النفط والغاز الحيوية تقع خارج سيطرة الحكومة، وهجرة الكفاءات، ففقدان رأس المال البشري يشكل عائقاً أمام إعادة البناء، ناهيك عن التضخم وانخفاض القدرة الشرائية رغم زيادة الرواتب، لا تزال الأسعار مرتفعة والليرة ضعيفة.ويقول قوشجي: إن التمويل محدود وتحتاج خطة التعافي إلى نحو 36 مليار دولار، فيما الموارد المتاحة لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية، مضيفاً: إن هناك تراجعا لدور الجهاز المصرفي في تمويل الاستثمار ما يحد من قدرة الحكومة على تحريك عجلة النمو.ويرى أن الحكومة السورية الجديدة نجحت في كسر الجمود الإداري والمالي، وبدأت خطوات إصلاحية جريئة رغم التحديات الهائلة، لكن النجاح الحقيقي يتوقف على قدرتها في استعادة السيطرة على الموارد، تخفيف العقوبات، وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي.

الطريق طويل وشاق

ما تحقق حتى الآن يُعد بداية واعدة، لكن الطريق نحو التعافي الكامل لا يزال طويلاً وشاقاً.. هنا، يتساءل قوشجي، هل تسير الحكومة في الاتجاه الصحيح؟ أم إن الإصلاحات لا تزال دون المأمول ؟سؤال جوهري يستحق تفكيكاً دقيقاً من زاويتين: النية السياسية والجدوى الاقتصادية.فمن حيث الاتجاه العام الجواب نعم من حيث المبادئ المعلنة والخطوات الأولية، يبدو أن الحكومة تسير في الاتجاه الصحيح، فقد تم تعيين وزراء من خلفيات تقنية واقتصادية والقيام بإصلاحات مالية غير شعبوية، لكنها ضرورية، ومحاولة جذب الاستثمار رغم العقوبات.ومن حيث التنفيذ يقول قوشجي: إن الإصلاحات حتى الآن تحمل طابعاً انتقالياً أكثر من كونها تحولاً هيكلياً ومن أبرز المؤشرات- بحسب الخبير الاقتصادي، غياب الشفافية المؤسسية لا توجد تقارير دورية منشورة عن الأداء المالي، أو نتائج المشاريع، وضعف استقلالية القضاء والمؤسسات الرقابية، مما يحد من مكافحة الفساد بشكل فعّال، مع استمرار السوق السوداء رغم رفع الرواتب، لا تزال أسواق الظل للوقود والسلع الأساسية نشطة.

آخر الأخبار
"المركزي": خلال 5 أيام البت بشكاوى السحب من الحسابات بعد 7 أيار أهالي قرى "جبلة والقرداحة وعنّاب" يخمدون النار بسواعدهم اتفاقية طبية لتغطية أكثر من 50 عملية متخصصة في مستشفى منبج بين الجفاف وسوء الاستثمار والهدر.. ثروتنا المائية تدقّ ناقوس الخطر مصادرة حفارتي آبار مخالفة في درعا الخارجية السورية تشكر لجنة التحقيق الدولية وتؤكد انسجام تقريرها مع نتائج التحقيق الوطني تقرير أممي يكشف عن تحول جذري في علاقة دمشق بالعدالة الدولية حين تصرخ الجبال بلا أشجار.. حرائق الغاب تلتهم الذاكرة والحياة مئة يوم مضت.. الحكومة الجديدة بين إرث الدمار وخطوات التعافي خبراء اقتصاديون لـ"الثورة": الإنجاز الأ... شراكة استراتيحية بين اتحاد الفلاحين ومنظمة التنمية السورية خبير مصرفي يقترح تحرير سحب التحويلات بين الحسابات المصرفية يونس الكريم لـ"الثورة":  سياسة شح السيولة أكبر العقبات في التعاملات المصرفية   بين الحقيقة والخيال في زمن الذكاء الاصطناعي..  خدعة رقمية على مواقع التواصل "مدربة الحيتان جيسيك... تعديل سلوك الأطفال عبر استراتيجيات وأساليب مختلفة الأسرة بين الأمس واليوم "خدمة العملاء".. في المنظمات غير الربحية فرض عين لا كفاية بين العلم والموسيقا..الطفلة ميرا مسوكر.. رحلة تفوق منذ الطفولة الرئاسة تعزي بضحايا هجوم كنيسة مار الياس وتؤكد على حماية العيش المشترك التكاتف الاجتماعي في حملات إعادة الإعمار .. "أربعاء حمص" نموذجاً مع اشتعال حرائق جديدة.. "الخوذ البيضاء" تُكرّم تضحيات حمزة العمارين وتطالب بالإفراج العاجل