البرونز.. معدن حضارة أوغاريت وشرارة تقدمها

الثورة – سهى درويش:

منذ آلاف السنين، لم يكن البرونز مجرد معدن عادي، بل كان عنوان قوة وحضارة أوغاريت الساحلية، التي ازدهرت على شاطئ المتوسط قرب اللاذقية، وأصبحت واحدة من أعظم مراكز التجارة والصناعة في الشرق القديم.

قصة ابتكار

مدير آثار أوغاريت “رأس الشمرة” الدكتور غسان القيم تحدث لصحيفة الثورة عن قصة صنعتها أيدي الحرفيين في ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقال: على أرض مدينة أوغاريت الأثرية هذه المدينة العظيمة التي تألقت وعاشت عصرها الذهبي منذ الألف الثاني قبل الميلاد، نشأت وازدهرت حضارة لم تكن مجرد مبانٍ، بل كانت عنواناً لقصة ابتكار صاغتها أيدي الحرفيين الذين أبدعوا في سباكة معدن فريد من نوعه ،و اكتشفوا سراً غير عادي، غيّر مجرى التاريخ الصناعي والبشري إلى الأبد وهو معدن البرونز.

وأضاف: البرونز ذلك الخليط السحري الممزوج من النحاس والقصدير، وربما القليل من الرصاص، كان مفتاحاً لتغيير مجرى الحياة في أوغاريت، فقد تمكّن الحرفيون هناك من اكتشاف كيفية صهر هذه المعادن الثلاثة معاً بمهارة فائقة، ليحصلوا على معدن يتميز بالصلابة واللمعان، يسمح بصنع أدوات وأسلحة لا مثيل لها في قوتها وديمومتها.

مراحل التصنيع

وأوضح الدكتور القيم مراحل تصنيع البرونز من خلال ورش العمل القديمة، حيث تنفجر أفران الطين بحرارة تتجاوز الألف درجة مئوية، ليقوم الحرفي بصب المعدن الذائب في قوالب دقيقة الشكل، لينبثق منه سيوف ورؤوس سهام، ومعدات زراعية، وحتى قطع فنية وزخارف تزين المنازل والمعابد.

وكان البرونز العنصر الذي جمع بين الجمال والفائدة، وجعل من مملكة أوغاريت مركزاً صناعياً متقدماً في الشرق الأدنى القديم.

لم يكن أيضاً مجرد معدن عملي، بل كان رمزاً حضارياً وروحياً في حياة الأوغاريتيين، فقد استخدم في صنع التماثيل، والحُلي التي ارتدتها نساء المدينة، مما أضفى على هذه القطع قيمة تتجاوز المادة، لتصبح شاهداً على روح ذلك العصر.

وأشار الدكتور القيم إلى أن سباكة البرونز لم تكن مهمة فردية فقط، بل كانت صناعة جماعية تتطلب التعاون بين الحرفيين وتبادل الخبرات، وهو ما ساعد أوغاريت على التميّز في التجارة والتقنيات، ونشر نفوذها وتأثيرها عبر الممالك والمدن المجاورة.

فن وحياة

ولفت الدكتور القيم إلى أننا اليوم حين ننظر إلى القطع البرونزية المحفوظة في المتاحف لا نرى مجرد معدن، بل نلمس رمزاً للتقدم والابتكار، يُذكرنا بأن الإنسان عبر التاريخ لا يتوقف عن تحويل المواد الخام إلى فن وحياة، وأن البرونز لم يكن مجرد معدن، بل كان تحفة ابتكرها صانعو أوغاريت عبر تجربة طويلة وفنية دقيقة.

إضافة إلى أن سباكته نقطة تحوّل هائلة، تميّزت بها أوغاريت بين مدن الشرق الأدنى القديم، وأعطتها مكانة فريدة في التاريخ.

وختم القيم بالقول: إن البرونز عبر آلاف السنين، بقي شاهداً على عبقرية الأوغاريتيين الصانعين من المعدن قصة حضارتهم، التي ولاتزال تلهمنا حتى اليوم في عالمنا الحديث.

تبقى أوغاريت بتاريخها شاهداً على أن معدن البرونز لم يكن مجرد معدن، بل كان رمزاً لحضارة متألقة ربطت بين الشعوب وأسست لتاريخ اقتصادي وثقافي عريق، ما زال يدهشنا حتى اليوم من خلال ما خلفته من ألواح، وأدوات، وقطع أثرية تنبض حياة بعبق الماضي.

آخر الأخبار
الرئيس الشرع إلى البرازيل.. فهم عميق للعبة التوازنات والتحالفات      هل يشهد سوق دمشق للأوراق المالية تحولاً جذرياً؟  لحظة تاريخية لإعادة بناء الوطن  وزير الاقتصاد يبحث مع نظيره العماني تعزيز التعاون المستشار الألماني يدعو لإعادة اللاجئين السوريين.. تحول في الخطاب أم مناورة انتخابية؟ صناعة النسيج تواجه الانكماش.. ارتفاع التكاليف والمصري منافس على الأرض القهوة وراء كل خبر.. لماذا يعتمد الصحفيون على الكافيين؟ إعادة التغذية الكهربائية لمحطة باب النيرب بحلب منظمة "يداً بيد" تدعم مستشفى إزرع بمستلزمات طبية إعادة الإعمار والرقابة وجهان لضرورة واحدة حملة لإزالة الإشغالات في أسواق الحميدية ومدحت باشا والبزورية محافظ درعا يبحث مع السفير الإيطالي الاحتياجات الخدمية والتنموية من الدمار إلى الإعمار... القابون يستعيد نبضه بالشراكة والحوار الموارد البشرية المؤهلة … مفتاح التغيير المؤسسي وإعادة البناء بدء مشروع تخطيط طريق حلب – غازي عنتاب كيف فرضت "البالة" نفسها على جيوب الحلبيين؟ سوريا تؤكد أمام اليونسكو التزامها بالتحديث التربوي الأمم المتحدة: بدء مرحلة ميدانية جديدة في سوريا للبحث عن المفقودين بعد سقوط النظام انتهاكات إسرائيلية ضد المدنيين وعمليات توغل هستيرية الشهر المنصرم صدام الحمود: زيارة الشرع لواشنطن تعيد سوريا إلى واجهة الاهتمام الدولي