الثورة- سمرحمامة :
في زمن تتسارع فيه التغيرات الاجتماعية وتختلف فيه أساليب التربية، يظل النقاش حول أسلوب الأب الصارم قائماً: هل يصنع هذا النمط من التربية شخصيات قوية وملتزمة أم أنه يحطم أرواحاً ويخلق جيلاً مهزوزاً من الداخل؟ هناك من يرى أن الحزم ضرورة لتربية الأبناء، والبعض الآخر يؤكد أن المبالغة في الصرامة تزرع الخوف لا الاحترام.
آراء الأبناء وتجاربهم
ليان، 21 عاماً، طالبة جامعية تقول: “والدي كان يؤمن أن الطاعة العمياء هي أساس التربية. لم يكن يسمح بالنقاش أو الاعتراض. كبرت وأنا أخشى اتخاذ أي قرار، حتى لو كان بسيطاً مثل اختيار ملابسي. الآن، رغم أنني أعيش بعيداً عن العائلة في السكن الجامعي، لا أزال أشعر بالخوف من الخطأ وكأنني سأُعاقب في أي لحظة.
“رامي، 28 عاماً، موظف في شركة خاصة يشاركنا رامي تجربته: “والدي كان شديد الانضباط. كل شيء له وقت محدد، والالتزام صارم. في طفولتي كرهت هذا الأسلوب، لكنني اليوم أرى أنني أصبحت منظماً وأتحمل المسؤولية. ومع ذلك، لا أنكر أن علاقتي بوالدي سطحية، فلا أتحدث معه عن مشاعري أبداً.
“سارة، 18 عاماً، طالبة ثانوية تذكر: “أبي يعتقد أن اللين ضعف، لذلك لم أسمع منه يوماً كلمة تشجيع. كنت أتمنى لو احتضنني أو قال لي إنه فخور بي. اليوم، أشعر أنني أدرس فقط حتى لا أغضبه، لا لأنني أحب النجاح.
“أحمد، 32 عاماً، متزوج وأب لطفلين يروي حكايته: “أبي كان صارماً جداً لدرجة أنني أقسمت أن لا أكون مثله. لكن عندما أنجبت أطفالي، وجدت نفسي أكرر بعض سلوكياته. أدركت أن الحزم مطلوب، لكنني أحاول الموازنة بينه وبين الحب، لأنني أعرف جيداً أثر القسوة على الطفل.”
لماذا يلجأ بعض الآباء إلى الصرامة؟
يرى خبراء علم النفس أن الصرامة غالباً تنبع من خوف الأب على مستقبل أبنائه، أو من تبنيه لفكرة أن “القسوة تصنع رجالاً”. ويعتقد كثير من الآباء أن الحزم وحده يكفي لتعليم الانضباط والاحترام، متجاهلين أن الطفل بحاجة إلى مساحة للتعبير عن نفسه ليبني شخصية متوازنة وقوية.
يقول الدكتور مازن حيدر اختصاصي علم النفس الأسري:إن الصرامة المفرطة لا تربي شخصية قوية، بل تخلق شخصية تفتقر إلى الثقة بالنفس. الطفل الذي يعيش في بيئة تخلو من النقاش والحب يكبر وهو يربط قيمته بمدى طاعته، لا بمدى قدرته على الإبداع أو اتخاذ القرارات. هذا النمط قد ينجح في خلق انضباط خارجي، لكنه يترك جروحاً نفسية عميقة تؤثر على العلاقات الاجتماعية والحياتية لاحقاً.”ويضيف: “التربية السليمة تقوم على التوازن بين الحزم والمرونة. يجب أن تكون هناك قوانين واضحة، لكن مع مساحة للنقاش والحوار، لأن الشعور بالأمان العاطفي هو ما يمنح الطفل القدرة على مواجهة التحديات دون خوف.”
الحل في التوازن
التربية ليست معركة لكسب السيطرة، بل رحلة لبناء شخصية مستقلة ومسؤولة. يمكن أن يكون الأب قوياً وحازماً، لكن دون قسوة أو تهديد. يقول الخبراء إن خطوات بسيطة تصنع فرقاً كبيراً، مثل:الاستماع قبل الحكم: منح الطفل فرصة لشرح موقفه.توضيح القوانين بمعنى وضع حدود واضحة مع تطبيقها بعدل.الفصل بين الخطأ والشخص أي معاقبة السلوك وليس الطفل.
لابد من إظهار الحب حتى أثناء الحزم مثل كلمة تشجيع قد تكون أقوى من ألف عقوبة.وبالتالي بين الأب الصارم والأب المتساهل، هناك طريق ذهبي يجمع بين الحزم والحب. فالتربية التي توازن بين الانضباط والدعم العاطفي هي القادرة على صنع جيل قوي من الداخل والخارج. فالخوف لا يبني شخصية ناجحة، لكن الأمان والاحترام يصنعان إنساناً قادراً على مواجهة الحياة بثقة.