الثورة – حسين روماني:
كتب شباب المستقبل في قاعة رضا سعيد في جامعة دمشق مستقبلهم بأفكار جريئة وحلول مدهشة، اجتمعوا مساء الأربعاء الثالث من أيلول، ليختموا فعالية تحدي الابتكار التي حملت توقيع مؤسسة Kids & Codes، المؤسسة البريطانية النشأة والسورية الهوى.
فعلى مدى أيام من التنافس والتجريب، تحولت المنصات إلى مسرح لأحلام كبيرة، إذ تنافس المشاركون على تحويل أفكارهم إلى مشاريع ملموسة تستجيب لاحتياجات مجتمعهم، وتعيد تعريف دور التقنية في مواجهة التحديات اليومية، مساحة التقت فيها الطموحات مع الدعم المؤسسي، ورعتها جامعة دمشق إلى جانب بنك البركة والمنتدى السوري وشركة MTN وفريق “روبو” ومؤسسات “تمكين” و”حبور” و”Children Skills”. وفي حضور هذا التنوع، بدا المشهد وكأنه احتفال جماعي بالمعرفة والخيال، يفتح أبواباً جديدة أمام جيل شاب يصرّ على أن الابتكار ليس ترفاً، بل ضرورة.
أحلام كبيرة
البداية انطلقت من قلب القاعة، حيث توزعت الفرق الصغيرة بين الزوايا والطاولات، يعرض الأطفال مشاريعهم إلى جانب المدربين وسط فضول الحضور وتفاعلهم. بين تلك العروض، خطف الأنظار مشروع كرسي متحرك يُدار بحركة الرأس لخدمة المصابين بالشلل الرباعي، فيما أثار روبوت كاشف للألغام إعجاب الزوار لما يحمله من أبعاد إنسانية ملحة. وعلى مقربة، قدم فريق آخر نظاماً للأمن المنزلي يعتمد على استشعار الغازات والانبعاثات الضارة، في حين عرضت مجموعة من المبتكرين فكرة أتمتة المخالفات المرورية والإشارات الضوئية الذكية، إذ تتحكم كاميرات وحساسات مزودة بالذكاء الصنعي في حركة السير، فتفتح الطرقات في حالات الطوارئ وتعيد تنظيمها عند الازدحام. هكذا بدت قاعة رضا سعيد وكأنها مختبر مفتوح، يختلط فيه النقاش بالدهشة، وتتحول فيه أحلام الأطفال إلى مشاريع قادرة على أن تمس حياة الناس بشكل مباشر.
إلى صانعي المستقبل
وسط صخب الفعالية وحيوية العروض، عبّر القائمون عن إعجابهم بما شاهدته أعينهم من طاقات واعدة.
رئيس الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية الدكتور باسل خشي، وصف شعوره بالفخر قائلاً لصحيغة الثورة؛ إن الأطفال في هذه الأعمار يقدمون أفكاراً يمكن تنفيذها ويعرضونها بطريقة رائعة”، مشيراً إلى استعداد الجمعية لدعم هذه المشاريع على جميع المستويات، من احتضان الأفكار إلى تقديم دورات متقدمة، مؤكداً أن التجربة “مميزة وتشجع على استمرار هذا النوع من الأعمال دائماً”.
أما خلود غانم، مؤسسة “Kids & Codes”، فحدّدت بوضوح نهجها في اختيار الفائزين، مؤكدة أن الأمر لم يكن مجرد منح جوائز، بل عملية دقيقة ترتكز على معايير متشعبة ومتعددة الطبقات. وقالت لصحيفة الثورة :إن الفريق كان يرافق الأطفال خطوة بخطوة منذ أول لحظة، مع الحرص على أن يشاركوا في التجربة وهم مستمتعون بما يفعلون وليس فقط مسرعين للفوز، مشيرة إلى أن “العقلية هنا مشابهة لما يحدث في أوروبا، حيث الرحلة والتعلم أهم من الوجهة النهائية”.
وأضافت: “الاختيار كان على أساس إبداع الفكرة، مدى مساهمتها بالمجتمع، ومدى ارتباطها بالواقع، مع إعطاء الأولوية للابتكار والأصالة في التنفيذ. طبعاً، كان هناك اعتراضات وخيبات أمل، لكن هدفنا دائماً كان غرس عقلية الإبداع والتقدير الحقيقي للعمل المبتكر”. وأكدت أن هذه العملية تجربة تعليمية متكاملة، تشجع الأطفال على التفكير النقدي والمبادرة، وتساعدهم على فهم قيمة العمل الجماعي والتخطيط والتنفيذ ضمن ضغوط الوقت والتحدي.
من جهته، ركّز غسان هيتو، الرئيس التنفيذي للمنتدى السوري، خلال حديثه مع الثورة على الأبعاد التعليمية والاجتماعية للفعالية، موضحاً أن “تعليم الأطفال مهارات حياتية وقيادية، مثل البرمجة، خطوة حيوية لتجهيزهم للمرحلة القادمة ومواكبة التقنيات الحديثة”. وأضاف أن المنتدى يعطي أهمية متكاملة للتعليم، مع التركيز على الطالب والمعلم وأولياء الأمور، لضمان اكتمال العملية التعليمية وتحقيق الأثر الحقيقي للبرامج الموجهة للشباب.
رحلة الأطفال نحو الابتكار والتميز
بدت براعة الأطفال المشاركين، الذين لم يتجاوزوا الخامسة عشرة، واضحة في كل مشروع عرضوه، ولذلك توزعت الجوائز بشكل متنوع، ففي الفئة العمرية الصغيرة، خطف فريق “Fresh Fruits” المركز الأول، بينما نال فريق “Friendly Spring” المركز الثاني، وجاء فريق “Ebox” من قطر في المرتبة الثالثة، ليبرز كل فريق أسلوبه الخاص في الإبداع والتنفيذ. أما في الفئة العمرية الكبيرة، فكانت الطليعة لفريق “روبوت كاشف الألغام”، الطائرة المسيرة المزوّدة بكاميرا وحساسات ذكية للكشف عن الألغام ومخلفات الحروب، تلتها بفخر فرق “Dia Care” و”حارس الصحة” في المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي.
جائزة الجمهور حملت اسم فريق “روبو” عن نظامه المبتكر لاكتشاف تسريب الغاز وحماية المنزل، فيما استطاع كل من مشروع “كرسي الشلل الرباعي” و”الإشارات الذكية” كسب فرصة مميزة لحضور المسابقة الدولية للإبداع والابتكار (ICIA) التي ستُعقد في مدينة هو تشي منه، فيتنام، في الفترة من 25 إلى 27 نيسان 2026.
وفي حديث مؤثر، قالت والدة أحد المشاركين: “هذه المسابقة تشكل منصة هامة للأطفال لتطوير مهاراتهم الإبداعية والابتكارية، وتعزز لديهم القدرة على التفكير النقدي وحل المشكلات، كما تنمي خيالهم وتشجعهم على المبادرة والعمل الجماعي.”
لم تكن الجوائز مجرد تكريم، بل كانت احتفاءً بالرحلة الإبداعية نفسها، وبداية لمستقبل مشرق لهؤلاء الأطفال المبدعين الذين سيواصلون رسم أفكارهم وتحويلها إلى واقع ملموس.