“أفلام الثورة السورية”.. السينما تقاوم النسيان في دمشق

الثورة – حسين روماني

انطلقت في دمشق تظاهرة “أفلام الثورة السورية”، التي أطلقتها المؤسسة العامة للسينما برعاية وزارة الثقافة، في دار الأوبرا، بحفل افتتاح حضره حشد كبير من الشخصيات الرسمية، والسفراء، والفنانين، والمخرجين، والكتاب، والنقاد، والمهتمين بصناعة السينما.

يأتي هذا الحدث بوصفه باكورة النشاطات السينمائية بعد التحرير، في محاولة لإعادة الاعتبار للشاشة الكبيرة، كأرشيف حي لذاكرة الثورة السورية، وكسلاح يتيم يقاوم النسيان.

شاشة تتحول إلى ذاكرة

لم يكن الافتتاح مجرد عروض فنية، بل استدعاء مكثف للذاكرة الجمعية، المشاهد التي تملأ الشاشة التقطها صناع السينما والمصورون بأحاسيسهم المرهفة، وهي صور توثق رحلة الهروب من الموت، والزنازين المظلمة، والنزوح نحو المجهول.

هكذا، تصبح الأفلام نافذةً على جيل عاش التغريبة السورية بكل تفاصيلها، جيلاً ما زال يتمسك بالحلم، ويرفض أن يُطوى في كتب التاريخ كحاشية منسية.

السينما جسر نور

في كلمته خلال الحفل، أكد المدير العام للمؤسسة العامة للسينما، جهاد عبده، أن افتتاح التظاهرة ليس عروضاً سينمائية فقط، بل مرآة صادقة لحرب شُنت على شعب أعزل ولرحلة تهجير طويلة”، مضيفاً: الفوز الحقيقي لا يُقاس بالجوائز، بل بقدرة هذه الأفلام على الوصول إلى ضمائر العالم، فصوت الضحية أعلى من أزيز رصاص الجلاد،
وشدد عبده على أن السينما ليست ترفاً أو تسلية عابرة، بل قوة قادرة على تشكيل الوعي العام، مستشهداً بنجاح الفيلم الوثائقي “من أجل سما” في إحداث صدى عالمي لقضية السوريين.

عشرون فيلماً

تُعرض التظاهرة على مدى أربعة أيام، تبدأ في 15 أيلول، في دار الأوبرا بدمشق. وقد استلمت اللجنة المنظمة 56 فيلماً محلياً ودولياً، وقع الاختيار منها على نحو 20 فيلماً بين روائي ووثائقي، طويل وقصير.

تتوزع العروض على صالات مختلفة منها كندي دمر، والمتحف الوطني، وأرض المعارض القديمة، ويتخلل بعضها ندوات حوارية وورش مع المخرجين والنقاد، لفتح النقاش حول التجربة السينمائية، والظروف التي أحاطت بإنتاج هذه الأفلام.

“نزوح” فيلم الافتتاح

اختارت اللجنة فيلم “نزوح” للمخرجة السورية سؤدد كعدان ليكون افتتاحية التظاهرة، الفيلم إنتاج سوري- فرنسي (2022)، شارك في مهرجان البندقية السينمائي (دورة 79)، وحصد جائزة الجمهور في قسم «Horizons Extra».

يروي الفيلم حكاية عائلة سورية محاصرة: الطفلة زينة (14 عاماً) التي يسقط صاروخ على سقف منزلها فتجد نفسها للمرة الأولى تنام تحت النجوم، تنشأ صداقتها مع الصبي عامر في البيت المجاور، فيما تتأرجح العائلة بين قرار البقاء أو مغادرة البلاد. الأم (كندة علوش) تتمسك برغبة النجاة والرحيل، في حين يرفض الأب (سامر المصري) أن يُختزل مصيرهم في أن يصبحوا لاجئين، يشارك في البطولة أيضاً هالة زين ونزار العاني ودارينا الجندي.

فيلم “نزوح” ليس مجرد سرد درامي، بل شهادة بصرية عن التمزق الإنساني الذي ولّده النزاع، وعن الخيارات المستحيلة التي واجهتها آلاف العائلات السورية.

سينما تحفظ الذاكرة

التظاهرة، بما تحمله من أفلام وتجارب متنوعة، تُعيد تعريف السينما كمساحة للوعي والكرامة والجمال، وكأداة لحماية الذاكرة الجماعية من محاولات الطمس، فالعروض ليست حدثاً فنياً فقط، بل رسالة أن الثورة لا تزال حاضرة في تفاصيل السوريين اليومية، وأن السينما قادرة على صونها من التلاشي.

بهذه الانطلاقة، تعود السينما السورية لتفتح صفحة جديدة، تُعيد الاعتبار لقيمة الصورة في صياغة الوعي، وترسم جسور التعاطف بين السوريين والعالم، إنها خطوة أولى في طريق طويل، لكن ضرورية، نحو مستقبلٍ سينمائي يليق بتاريخ الشعب السوري وتضحياته.